النظر في حجج الله تعالى حتى يعلموا ، عذبهم على اعتقادهم الباطل ، وجحدهم الحق».
قال أبو يعقوب وأبو الحسن : قلنا للحسن أبي القائم عليهمالسلام : فإن عندنا قوما يزعمون أن هاروت وماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم ، وأنزلهما الله تعالى مع ثالث لهما إلى الدنيا ، وأنهما افتتنا بالزهرة ، وأرادا الزنا بها ، وشربا الخمر ، وقتلا النفس المحرمة ، وأن الله يعذبهما ببابل ، وأن السحرة منهما يتعلمون السحر ، وأن الله تعالى مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزهرة.
فقال الإمام عليهالسلام : «معاذ الله من ذلك ، إن الملائكة معصومون من الخطأ محفوظون من الكفر والقبائح بألطاف الله تعالى ، فقال الله عز وجل فيهم : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١٤) وقال : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ) يعني الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (١٥).
وقال في الملائكة : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (١٦)».
ثم قال عليهالسلام : لو كان كما يقولون كان الله قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاء (١٧) على الأرض ، فكانوا كالأنبياء في الدنيا أو كالأئمة (١٨) ، أفيكون من الأنبياء والأئمة قتل النفس وفعل الزنا؟!».
ثم قال : «أولست تعلم أن الله تعالى لم يخل الدنيا قط من نبي أو إمام من البشر؟ أو ليس الله تعالى يقول : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يعني إلى الخلق (إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) (١٩) فأخبر الله أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة وحكاما ، وإنما أرسلوا إلى أنبياء الله».
قالا : قلنا له عليهالسلام : فعلى هذا لم يكن إبليس أيضا ملكا؟
فقال : «لا ، بل كان من الجن ، أما تسمعان أن الله تعالى يقول : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) (٢٠) فأخبر أنه كان من الجن ، وهو الذي قال الله تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ) (٢١)».
ثم قال الإمام عليهالسلام : «حدثني أبي ، عن جدي ، عن الرضا عليهمالسلام ، عن آبائه (صلوات الله عليهم) ، عن
__________________
(١٤) التحريم ٦٦ : ٦.
(١٥) الأنبياء ٢١ : ١٩ و ٢٠.
(١٦) الأنبياء ٢١ : ٢٦ ـ ٢٨.
(١٧) في المصدر : خلفاءه.
(١٨) في المصدر : وكالأئمّة.
(١٩) يوسف ١٢ : ١٠٩.
(٢٠) الكهف ١٨ : ٥٠.
(٢١) الحجر ١٥ : ٢٧.