اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٣٢) ، وفي قوله عز وجل لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٣٣) ، وفي قوله عز وجل : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (٣٤).
وأشراط كلمات الإمام مأخوذة من جهته مما تحتاج إليه الأمة من مصالح (٣٥) الدنيا والآخرة.
وقول إبراهيم عليهالسلام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) من : حرف تبعيض ، ليعلم أن من الذرية من يستحق الإمامة ، ومنهم من لا يستحقها ، هذا من جملة المسلمين ، وذلك أنه يستحيل أن يدعو إبراهيم بالإمامة للكافر أو للمسلم الذي ليس بمعصوم ، فصح أن باب التبعيض وقع على خواص المؤمنين ، والخواص إنما صاروا خواصا بالبعد عن الكفر ، ثم من اجتنب الكبائر صار من جملة الخواص. أخص ، ثم المعصوم هو الخاص الأخص ، ولو كان للتخصيص صورة أربى عليه (٣٦) ، لجعل ذلك من أوصاف الإمام.
وقد سمى الله عز وجل عيسى من ذرية إبراهيم ، وكان ابن بنته من بعده ، ولما صح أن ابن البنت ذرية ، ودعا إبراهيم لذريته بالإمامة ، وجب على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الاقتداء به في وضع الإمامة في المعصومين من ذريته حذو النعل بالنعل بعد ما أوحى الله عز وجل إليه ، وحكم عليه بقوله : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (٣٧) الآية ، ولو خالف ذلك لكان داخلا في قوله : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) جل نبي الله عن ذلك.
قال الله عز وجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٣٨) وأمير المؤمنين عليهالسلام أبو ذرية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووضع الإمامة فيه وضعها في ذريته المعصومين بعده.
وقوله عز وجل : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) يعني بذلك أن الإمامة لا تصلح لمن قد عبد وثنا أو صنما ، أو أشرك بالله طرفة عين ، وإن أسلم بعد ذلك ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وأعظم الظلم الشرك ، قال الله عز وجل : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٣٩) وكذلك لا يصلح للإمامة من (٤٠) قد ارتكب من المحارم شيئا صغيرا كان أو كبيرا ، وإن تاب منه بعد ذلك ، وكذلك لا يقيم الحد من في جنبه حد ، فإذن لا يكون الإمام إلا معصوما ، ولا تعلم عصمته إلا بنص الله عز وجل عليه على لسان نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فترى
__________________
(٣٢) البقرة ٢ : ١٣٢.
(٣٣) النّحل ١٦ : ١٢٣.
(٣٤) الحج ٢٢ : ٧٨.
(٣٥) في المصدر : مأخوذة ممّا تحتاج إليه الأمّة من جهة من مصالح.
(٣٦) أي أعلى وأرفع مرتبة.
(٣٧) النّحل ١٦ : ١٢٣.
(٣٨) آل عمران ٣ : ٦٨.
(٣٩) لقمان ٣١ : ١٣.
(٤٠) في المصدر : لا تصلح الإمامة لمن.