ظهري ، فواقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فما قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها». ومثل ذلك كثير مما هو رد على من أنكر المعراج ، وخلق الجنة والنار.
وأما الرد على المجبرة الذين قالوا : ليس لنا صنع ، ونحن مجبورون ، يحدث الله لنا الفعل عند الفعل ، وإنما الأفعال المنسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة ، وتأولوا في ذلك آيات من كتاب الله عز وجل لم يعرفوا معناها ، مثل قوله : (وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١٤٠) وقوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (١٤١) وغير ذلك من الآيات التي تأويلها على خلاف معانيها.
وفيما قالوا إبطال الثواب والعقاب ، وإذا قالوا ذلك ثم أقروا بالثواب والعقاب ، نسبوا الله تعالى إلى الجور ، وأنه يعذب على غير اكتساب وفعل ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أن يعاقب أحدا على غير فعل ، وبغير حجة واضحة عليه.
والقرآن كله رد عليهم ، قال الله تبارك وتعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (١٤٢) فقوله عز وجل : (لها وعليها) هو على الحقيقة لفعلها. وقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (١٤٣). وقوله : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (١٤٤). وقوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) (١٤٥). وقوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (١٤٦). وقوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ ـ يعني بينا له طريق الخير وطريق الشر ـ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً). (١٤٧) وقوله : (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ ـ ولم يقل بفعلنا ـ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). (١٤٨) ومثله كثير نذكره ، ونذكر أيضا ما احتجت به المجبرة من القرآن ، الذي لم يعرفوا معناه وتفسيره ، في مواضعه إن شاء الله.
وأما الرد على المعتزلة ، فإن الرد عليهم من القرآن كثير ، وفي ذلك أن المعتزلة قالوا : نحن نخلق أفعالنا ، وليس لله فيها صنع ولا مشيئة ولا إرادة ، ويكون ما شاء إبليس ، ولا يكون ما شاء الله ، واحتجوا بأنهم خالقون ، لقول
__________________
(١٤٠) الإنسان ٧٦ : ٣٠.
(١٤١) الأنعام ٦ : ١٢٥.
(١٤٢) البقرة ٢ : ٢٨٦.
(١٤٣) الزلزلة ٩٩ : ٧ و ٨.
(١٤٤) المدّثر ٧٤ : ٣٨.
(١٤٥) آل عمران ٣ : ١٨٢.
(١٤٦) فصّلت ٤١ : ١٧.
(١٤٧) الإنسان ٧٦ : ٣.
(١٤٨) العنكبوت ٢٩ : ٣٨ ـ ٤٠.