الوجوه : جواز التصدّق به أو وجوبه كالمال الذي لا يعرف صاحبه ؛ إذ المتدبّر في كلمات الأصحاب والنصوص الواردة في ذلك الباب لا يكاد يرتاب في أنّ حكم الشارع بالصدقة في ما لا يعرف صاحبه إنّما هو لتعذّر إيصاله إليه لا لعدم معرفته بشخصه ، بل بعض النصوص الواردة فيه التي تقدّم نقلها في مسألة الحلال المختلط بالحرام إنّما ورد في ما تعذّر إيصاله إلى صاحبه مع معرفته بشخصه.
مثل ما عن الشيخ بإسناده عن عليّ الصائغ قال : سألته عن تراب الصوّاغين وإنّا نبيعه ، قال : «أما تستطيع أن تستحلّه من صاحبه؟» قال ، قلت : لا ، إذا أخبرته اتّهمني. قال : «بعه» قلت : بأيّ شيء؟ قال : «بطعام» قلت : فأيّ شيء أصنع به؟ قال : «تصدّق به إمّا لك وإمّا لأهله» (١) والظاهر أنّ هذه الرواية واردة في ما لا يعلم السائل بكون المال لذلك الشخص حتى يتعيّن عليه إيصاله إليه ، ولكنه يحتمل ذلك ، ويريد تفريغ ذمته في الواقع على تقدير كونه كذلك من دون أن يترتّب عليه مفسدة الاتّهام ، أو يتضرّر بدفع ماله إليه على تقدير العدم ، فلا يتوجّه عليها الإشكال بأنّ خوف التهمة لا يسقط التكليف بإيصال مال الغير إليه ولو بدسّه في أمواله أو غير ذلك من أنحاء الإيصال ممّا يسلم معها من التهمة.
وكيف كان ، فالرواية كادت تكون صريحة في المدّعى ، بل وكذا صحيحة يونس بن عبد الرحمن ، الواردة في من وجد في رحله بعض متاع رفيقه الذي كان معه بمكة وفارقه في الطريق (٢) ؛ أيضا من هذا
__________________
(١) التهذيب ٦ : ٣٨٣ / ١١٣١ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب الصرف ، الحديث ٢.
(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٥ / ١١٨٩ ، الوسائل : الباب ٧ من كتاب اللقطة ، الحديث ٢.