وهذه الدعوى غير بعيدة عن مساق الأخبار ، إلّا أنّها قابلة للمنع ، فالأخذ بالإطلاق أوفق بالقواعد ، والله العالم.
ويعتبر في تحقّق مفهوم رمس الرأس أو البدن : إدخال مجموعه تحت الماء وتغطيته به ، فلو أدخل جميع أجزائه شيئا فشيئا على سبيل التعاقب ، لا يتحقّق به صدق اسم الارتماس.
فما وقع في كلماتهم من تقييده بكونه دفعة ؛ إنّما أريد به ما يقابل الدفعات على سبيل التعاقب ، لا الدفعة المقابلة للتدريج ، ضرورة عدم الفرق في صدق اسم الارتماس بعد حصول التغطية بين كونه حاصلا على التدريج أو الدفعة ، فمن أنكر اعتبار الدفعة أرادها بالمعنى الثاني ، ومن اعتبرها فبالمعنى الأول ، فالنزاع لفظي.
وكيف كان ، فالمنساق إلى الذهن من إطلاق الرأس في مثل المقام ، هو : مجموع ما فوق الرقبة ، كما صرّح به غير واحد.
وفي المدارك : لم يستعبد تعلّق التحريم بغمس المنافذ كلّها دفعة وإن كانت منابت الشعر خارجة من الماء (١).
وفيه : أنّه لو كان مناط الحكم الاحتياط في عدم إدخال الماء المنافذ ، لكان له وجه ، ولكن هذا ممّا لم يدلّ عليه دليل وإن كان قد يشعر به ما في خبر (٢) حنّان بن سدير من تعليل نهي المرأة عن الاستنقاع الذي جعل في هذا الخبر رديفا لنهي الرجل عن الانغماس : بأنّها تحمل الماء بقبلها.
ولكنّك خبير بأنّ هذا النحو من التعليل ـ مع الغضّ عن عدم تحقّقه
__________________
(١) مدارك الأحكام ٦ : ٥٠.
(٢) تقدّم الخبر في صفحة ٣٨٦.