ففيه : إن مجرّد وجود المصلحة في العمل غير كافٍ لصلاحيته للمقربيّة ، لحكم العقل ـ وهو الحاكم في باب المقربيّة والمبعّدية ـ بأنها إنّما تصلح للمقربيّة في حال كونها غرضاً للمولى ، بأنْ تكون منشأً لأمره بالعمل أو يتعلّق بها غرضه ، وإلاّ ، فإن مجرّد واجديّة العمل للمصلحة لا تصيّره مقرّباً من العمل. هذه هي الكبرى. وفي مقامنا : لا شكّ في أنه مع وجود النهي التحريمي عن العمل تكون المصلحة الموجودة فيه ساقطة عن كونها غرضاً للمولى ، بل يكون النهي كاشفاً عن وصول المفسدة إلى حدّ الغرضية ، فيكون غرضه هو الانزجار عنه لا الانبعاث إليه ....
والحاصل : إنه مع تسليم ما ذكره من عدم المنافاة بين المصلحة والنهي نقول : عند ما يقوم النهي عن العمل تكون الفعلية للمفسدة ، والمصلحة من حيث الغرض على حدّ الشأنية ، وإذا وصلت المفسدة إلى الفعلية كان غرض المولى هو الانزجار عن العمل المنهي عنه ، وما يكون كذلك فلا يصلح للمقربيّة.
وأمّا في القسم الثاني من كلامه ، وهو تمشي قصد القربة من المكلَّف مع جهله بالنهي ، فيتّضح ما فيه مما ذكرناه في القسم الأوّل ، لأنّ مجرّد قصد القربة وتمشّيه غير كافٍ ، بل لا بدّ قبل ذلك من صلاحية العمل للمقربيّة ، والعمل الذي تعلَّق به النهي وكان الانزجار عنه هو الغرض من المولى ، غير صالح للمقربيّة ، فلا يكون عبادةً ، إذ كيف يكون عبادةً وهو مبغوض فعلاً وإن كان محبوباً في عالم الشأنية؟
وعلى هذا الأساس نقول ببطلان العبادة في باب اجتماع الأمر والنهي بناءً على الامتناع ، وأنّ الجهل بالنهي لا يكون مناطاً للصحّة ، لأنه قد قصد التقرب إلى المولى بما هو مبغوض عنده ، غاية الأمر يكون معذوراً بسبب الجهل ، نظير ما إذا قتل ابن المولى بقصد القربة إليه جاهلاً بكونه ابنه وزاعماً أنه عدوّ له ، فإنّ العمل مبغوض للمولى وإن كان ذا حسنٍ فاعلي.