الموضوع في القضيّتين ، والفقيه يطبّق النصّ على مورده حسب الأدلّة العقلية ، وهو لا يتوقّف في التمسّك بهذا النص في مورد العدم الأزلي ، فليس المرجع فيه هو العرف حتى يقال بعدم عرفيّة هذا الاستصحاب.
على أنه قد تقرّر في محلّه : أن المنشأ للانصراف هو التشكيك في الصّدق ، وهذا الملاك بالنسبة إلى العدم الأزلي غير موجود ، فلو كان تشكيك في الصدق لزم عدم القول بالاستصحاب في الأحكام الشرعية ، والحال أن المشهور يتمسّكون عند الشك في الحكم باستصحاب عدم الجعل كما يتمسّكون بالبراءة ... وعلى أساس استصحاب العدم الأزلي ذهب بعضهم ـ كالسيد الخوئي ـ إلى عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية إذ قال بأنّ عدم الجعل معارض باستصحاب بقاء المجعول ....
وتلخص اندفاع هذا الوجه حلاًّ ونقضاً.
الوجه الرابع :
إنّ العدم في الأزل غير العدم بعد الوجود ... ومن أجل هذه المغايرة يكون استصحاب العدم الأزلي من الأصل المثبت ... مثلاً : عدم البياض على الجدار الذي كان قبل وجود الجدار يغاير عدمه بعد وجود الجدار ... لأنّ العدم الأوّل كان مستنداً إلى عدم الموضوع ، وإذْ لا موضوع فلا عرض ، بخلاف العدم الثاني ، فإنّ الموضوع ـ وهو الجدار ـ موجود وليس بأبيض.
وبعبارة اخرى : لا يعقل بقاء المعلول مع تغيّر العلّة ، فإنْ علّة العدم قبل وجود الموضوع شيء ، وعلّته بعد وجود الموضوع شيء آخر ، وإذا تعدّدت العلّة وتغيّرت ، فالمعلول كذلك ، فكان المتيقّن السابق غير المشكوك فيه لاحقاً ... فلا يجري الاستصحاب ، وهذا التقريب أقوى من تقريب المثبتين.