إذ أخرج شقّة سوداء وقال لمن حضره : من يأخذها بما فيها؟ فانبرى ابن العاص وقال : يا رسول الله وما فيها؟ قال : فيها : أن لا تقابل بها مسلما! ولا تقرّ بها من كافر! فأخذها ولعلّه كان في غزوة ذات السلاسل. وهنا أخرج هذه الشقّة ، وعلّقها برأس رمحه ورفعها وقال للناس : هذا لواء عقده لي رسول الله صلىاللهعليهوآله! فتداولوها حتّى بلغ ذلك عليا عليهالسلام ، فقال لهم : هل تدرون ما أمر هذا اللواء؟ إنّ عدوّ الله عمرو بن العاص أخرج رسول الله له هذه الشقّة ... وحدّثهم بالحديث ثمّ قال عليهالسلام : فقد والله قرّبها من المشركين! وقاتل بها اليوم المسلمين! والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا وأسرّوا الكفر ، فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم منّا ، إلّا أنهم لم يدعوا الصلاة.
وتمسّك عمّار بهذا الكلام عن الإمام عليهالسلام واحتجّ بها لمّا قال له رجل : يا أبا اليقظان ؛ ألم يقل رسول الله صلىاللهعليهوآله : «قاتلوا الناس حتّى يسلموا ، فإذا أسلموا عصموا منّي دماءهم وأموالهم؟».
فأجابه عمّار بكلام الإمام عليهالسلام قال : بلى ، ولكن والله ما أسلموا ولكن استسلموا وأسرّوا الكفر حتّى وجدوا عليه أعوانا (١).
فروى نصر عن الأصبغ بن نباتة قال : جاء رجل إلى علي عليهالسلام فقال :
يا أمير المؤمنين ، هؤلاء القوم الذين (جئنا) نقاتلهم ، الدعوة واحدة ، والرسول واحد ، والصلاة واحدة ، والحجّ واحد فبم نسمّيهم؟ قال : نسمّيهم بما سمّاهم الله في كتابه. قال : ما كلّ ما في الكتاب أعلمه. قال : أما سمعت الله قال : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ
__________________
(١) وقعة صفّين : ٢١٥.