مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ)(١) فلمّا وقع الاختلاف كنّا نحن أولى بالله وبالكتاب وبالنبيّ وبالحقّ ، فنحن الذين آمنوا وهم الذين كفروا ، وشاء الله قتالهم فقاتلناهم (٢).
وتقدّم إليه آخر فقال : إني خرجت من أهلي مستبصرا في الحقّ الذي نحن عليه لا أشك في ضلالة هؤلاء القوم وأنهم على الباطل ، ولم أزل مستبصرا على ذلك حتّى كان صباح يومنا هذا فتقدم منادينا ونادى للصلاة فشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ، فنادى مناديهم بمثل ذلك. ثمّ اقيمت الصلاة فصلينا صلاة واحدة وتلونا كتابا واحدا ودعونا دعوة واحدة ورسولنا واحد ، فأدركني الشك!
فقال عليهالسلام : هل لقيت عمّار بن ياسر؟ قال : لا ، قال : فالقه وانظر ما يقول لك فاتّبعه.
فذهب يستقري الصفوف حتّى انتهى إليه ضحى وقد استظل هو وأصحابه ببرد أحمر فقال : أيكم عمّار بن ياسر؟ فقال عمار : هذا عمار ، قال : أبو اليقظان؟ قال : نعم ، فذكر له ذلك. فقال له عمّار : هل تعرف صاحب هذه الراية السوداء المقابلتي؟ إنّها راية عمرو بن العاص. أشهدت بدرا أو احدا أو حنينا (٣) أو شهدها من يخبرك عنها؟ قال : لا. قال : فإن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب ، ومراكزنا على مراكز رايات رسول الله يوم بدر ويوم احد ويوم حنين (كذا) ، ولقد قاتلت هذه الراية مع رسول الله الثلاث مرات وهذه الرابعة وهي شرّهن وأفجرهن! افترى دم عصفور حراما؟ قال : بل حلال! قال : فإنهم كذلك
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٥٣.
(٢) وقعة صفين : ٣٢٢ ، ٣٢٣.
(٣) كذا جاء ذكر حنين هنا ، وقد أسلم ابن العاص بعد الحديبية ، فلعلها زيادة من الرواة.