قد أحسست بالفتح! قالوا : لا ، قال : فأمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر! قالوا : إذن ندخل معك في خطيئتك! قال : فحدّثوني عنكم ـ وقد قتل أماثلكم وبقي أراذلكم ـ متى كنتم محقّين : أحين كنتم تقتلون أهل الشام؟ فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون! أم أنتم الآن محقّون؟ فقتلاكم إذن في النار الذين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيرا منكم!
فقالوا : يا أشتر ، إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا ودعنا منك ، قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله.
فقال لهم : يا أصحاب الجباه السود! كنّا نظنّ أن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله! فلا أرى فراركم إلّا إلى الدنيا من الموت! خدعتم والله فانخدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم! ألا قبحا يا أشباه الإبل الجلّالة (!) ما أنتم برائين بعدها عزّا أبدا ، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون! فتسابّوا وتضاربوا بالسياط ولم يكفّوا حتّى صاح بهم الإمام عليهالسلام ، فالتفت إليه الأشتر وقال له : يا أمير المؤمنين ، احمل الصف على الصفّ يصرع القوم.
فتصايحوا : إن عليا أمير المؤمنين قد رضي بحكم القرآن ولا يسعه إلّا ذلك! وأقبل الناس يقولون : قد رضي أمير المؤمنين ، قد قبل أمير المؤمنين ، وهو مطرق إلى الأرض ساكت لا يبض بكلمة!
وقال الأشتر : إن كان أمير المؤمنين قد قبل ورضي بحكم القرآن فقد رضيت بما رضي به أمير المؤمنين (١). وتراجعت عصابة من القرّاء ، فجاءوا إلى أمير المؤمنين وقالوا له :
يا أمير المؤمنين ، ما تنتظر بهؤلاء القوم؟ ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتّى يحكم الله بيننا وبينهم بالحقّ؟
__________________
(١) وقعة صفين : ٤٨٩ ـ ٤٩٢ عن إبراهيم بن الأشتر لمصعب بن الزبير.