من ترك العقدة (الشدّة) أما والله لو أنّي حين أمرتكم بما أمرتكم به حملتكم على المكروه الذي يجعل الله فيه خيرا ، فإن استقمتم هديتكم ، وإن اعوججتم قوّمتكم ، وان أبيتم تداركتكم ، لكانت الوثقى ، ولكن بمن؟ وإلى من؟ أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي! كناقش الشوكة بالشوكة! وهو يعلم أنّ ضلعها معها!
اللهمّ قد ملّت أطبّاء هذا الداء الدويّ ، وكلّت النزعة بأشطان الركي (بحبال البئر) أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه ، وقرءوا القرآن فأحكموه ، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا وله اللقاح إلى أولادها ، وسلبوا السيوف أغمادها ، وأخذوا بأطراف الأرض زحفا زحفا وصفّا صفّا ، بعض هلك وبعض نجا ، لا يبشّرون بالأحياء ولا يعزّون عن الموتى. مره العيون من البكاء ، خمص البطون من الطوى ، ذبل الشفاه من الدعاء ، صفر الألوان من السهر ، على وجوههم غبرة الخاشعين ، اولئك إخواني الذاهبون ، فحقّ لنا أن نظمأ إليهم ونعضّ الأيدي على فراقهم.
إن الشيطان يسنى لكم طرقه (يفتح عينه) ويريد أن يحلّ دينكم عقدة عقدة ، ويعطيكم بالجماعة الفرقة ، وبالفرقة الفتنة ، فاصدفوا عن نزعاته ونفثاته ، واقبلوا النصيحة ممّن أهداها إليكم ، واعقلوها على أنفسكم (١).
ثم قال الإمام عليهالسلام : لا إله إلّا الله سنّة بسنّة : أما والله لعلى يدي دار هذا يوم الحديبية حين كتبت الكتاب عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : «هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو» فقال سهيل : لا اجيبك إلى كتاب تسمّي فيه رسول الله ، ولو أعلم أنّك رسول الله لم اقاتلك ، إني إذا ظلمتك إذ منعتك أن تطوف ببيت الله وأنت رسول الله. ولكن اكتب : محمد بن عبد الله ، اجبك! فقال محمد صلىاللهعليهوآله : «يا علي ، إني لرسول الله ، وإني لمحمّد بن عبد الله ، ولن يمحو عنّي الرسالة كتابي إليهم :
__________________
(١) نهج البلاغة خ ١٢١ ، ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٣٨٦.