حتّى توغلها في سلطانهم من أرض الجزيرة (الموصل) فإن ذلك أقوى لجندك وأذلّ لأهل حربك!
فقال معاوية : والله إني لأعرف أن الرأي هو الذي تقول ، ولكن الناس لا يطيقون ذلك! فو الله إنّ جهد الناس أن يبلغوا منزلهم الذي كانوا به ، يعني صفين.
فمكثوا في ذلك يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة ، ثمّ قدمت عليهم عيونهم : أن عليّا اختلف عليه أصحابه ، ففرقة منهم قد أنكرت أمر الحكومة ففارقته لذلك ، وأنه عليهالسلام قد رجع عنكم إليهم ، فألقى معاوية ذلك إلى أهل الشام فكثر سرورهم بما ألقي من الخلاف بينهم وبانصرافه عنهم.
وكان معاوية قد خرج من دمشق معسكرا خارجها ، فلم يرجع عنه ينتظر لما يكون (١).
وليس فيما بأيدينا من مصادر التاريخ تقديم مقدمة له عليهالسلام إليهم ، وإنما جاء ذلك فيما نقله المعتزلي الشافعي عن المدائني : أنه عليهالسلام لمّا كان خارجا إلى الخوارج جاءه رجل ممن كان مع مقدّمته إليهم يركض نحوه حتّى انتهى إليه وأنهى صوته إليه ينادي : البشرى يا أمير المؤمنين! قال : ما بشراك؟ قال : إن القوم لما بلغهم وصولك عبروا النهر ، فأبشر فقد منحك الله أكتافهم! فقال له : الله! أنت رأيتهم قد عبروا! قال : نعم ، فأحلفه ثلاث مرّات ثمّ قال : والله ما عبروه ولن يعبروه (٢) ، وإن مصارعهم لدون النطفة ، والله لا يفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة (٣) لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوازن حتّى يقتلهم الله ، وقد خاب من افترى!
__________________
(١) الغارات ٢ : ٦١٧ ـ ٦١٨ عن جندب الأزدي عن أبيه.
(٢) شرح النهج للمعتزلي الشافعي ٢ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ عن كتاب الخوارج للمدائني.
(٣) نهج البلاغة خ ٥٩ وقال : يعني بالنطفة ماء النهروان وهي كناية فصيحة ، ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٣٨٢.