وجهدوا عليه كلّ الجهد وجرّوا عليه جيش الأحزاب! اللهمّ فاجز قريشا عنّي الجوازي فقد قطعت رحمي وتظاهرت عليّ ودفعتني عن حقّي ، وسلبتني سلطان ابن أمّي ، وسلّمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول وسابقتي في الإسلام ، إلّا أن يدّع مدّع ما لا أعرفه ، ولا أظنّ الله يعرفه ، والحمد لله على كلّ حال.
وأمّا ما ذكرت من غارة الضحّاك على أهل الحيرة ، فهو أقلّ وأذلّ من أن يلمّ بها أو يدنو منها ، ولكنّه أقبل في جريدة خيل فأخذ على السماوة حتّى مرّ بواقصة وشراف والقطقطانة فما والى ذلك الصّقع ، فوجّهت إليه جندا كثيفا من المسلمين ، فلمّا بلغه ذلك فرّ هاربا ، فلحقوه ببعض الطريق وقد أمعن ، وكان ذلك حين طفلت الشمس للإياب ، فتناوشوا القتال قليلا كلا ولا ، فلم يصبر لوقع المشرفية وولى هاربا ، وقتل من أصحابه تسعة عشر رجلا ونجا جريحا بعد ما أخذ منه بالمخنق ولم يبق منه إلّا الرمق ، فلأيا بلأي ما نجا.
وأمّا ما سألتني أن اكتب إليك برأيي فيما أنا فيه ، فإنّ رأيي جهاد المحلّين حتى ألقى الله ، لا يزيدني كثرة الناس معي عزّة ولا تفرّقهم عنّي وحشة ، لأنّي محقّ والله مع الحقّ ، والله ما كرهت الموت على الحقّ ، وما الخير كلّه بعد الموت إلّا لمن كان محقّا.
وأمّا ما عرضت به عليّ من مسيرك إليّ ببنيك وبني أبيك ، فلا حاجة لي في ذلك ، فأقم راشدا محمودا ، فو الله ما أحبّ أن تهلكوا معي إن هلكت ، ولا تحسبنّ ابن أمّك ـ ولو أسلمه الناس ـ متخشّعا ولا متضرّعا ، ولا مقرّا للضيم واهيا ، ولا سلس الزمام للقائد ، ولا وطئ الظهر للراكب المقتعد وإنّي لكما قال أخو بني سليم :
وإن تسأليني : كيف أنت؟ فإنّني |
|
صبور على ريب الزمان ، صليب |
يعزّ عليّ أن ترى بي كآبة |
|
فيشمت عاد ، أو يساء حبيب (١) |
__________________
(١) الغارات ٢ : ٤٢٨ ـ ٤٣٥ باسناده ، وغلط الدينوري فنقله قبل الجمل ، في الإمامة والسياسة ١ : ٥٥.