وسأل عنه ، فأجابه : ها أنا ذا النجاشي بين يديك يا أمير المؤمنين! إنّ الرجال ليست بأجسامها ، وإنّما لك من الرجل أصغراه : قلبه ولسانه! (فذهب قوله مثلا) وكان من شعر النجاشي في صفين وصفه لفرار معاوية في أواخره وكان قد بلغه شعره وقد حفظه فسأله عنه فاعتذر أنّه إنّما قاله لأخيه عتبة بن أبي سفيان وليس له (١) ، فقبل عذره!
وكان معه طارق النهدي فلمّا عرفه قال له : مرحبا بالمورق غصنه المعرق أصله المسوّد غير المسود ، في ارومة لا ترام ومحلّ يقصر عنه المرام! من رجل كانت به نبوة وهفوة لاتباعه رأس الضلالة والشبهة وصاحب الفتنة ، الذي اغترز في ركاب الفتنة حتّى استوى على رحلها ، ثمّ أوجف في عشوة ظلمتها وتيه ضلالتها ، واتبعه رجرجة من الناس ، وهنون من الحثالة! أما والله ما لهم أفئدة (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(٢).
فلم يتمالك طارق النهدي دون أن قام واتكأ على سيفه وقال : يا معاوية! إنّي متكلّم ، فلا يسخطك أوّل دون آخر! قال : إنّ المحمود على كلّ حال ربّ علا فوق عباده! فهم منه بمنظر ومسمع ، بعث فيهم رسولا منهم لم يكن يتلو من قبله كتابا ولا يخطّه بيمينه ، فعليهالسلام من رسول كان بالمؤمنين رحيما.
أمّا بعد ، فإنّا كنّا نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقيّ عادل! في رجال من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله أتقياء مرشدين ، ما زالوا منارا للهدى ومعلما للدين خلفا عن سلف مهتدين ، أهل دين لا دنيا ، كل الخير فيهم ، واتّبعتهم من الناس أقيال وملوك! وأهل شرف وبيوت ، ليسوا «بناكثين» ولا «قاسطين».
__________________
(١) الغارات ٢ : ٥٣٧ ـ ٥٣٩.
(٢) سورة محمّد : ٢٤.