وإنّي ـ والله ـ ما ألوم نفسي على عجز ولا تقصير ، وإنّي بمقاساة الحرب لجدّ بصير ، وإنّي لأقدم على الأمر وأعرف وجه الحزم وأقوم بالرأي المصيب ، فاستصرخكم معلنا ، وأناديكم نداء المستغيث معربا ، فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا ، تصيّرون الأمور إلى عواقب المساءة! فأنتم القوم لا يدرك بكم الثار ولا تنتقض بكم الأوتار ، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ «بضع وخمسين يوما» فجرجرتم عليّ جرجرة الجمل الأشدق ، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليست له نيّة في جهاد العدو ، ولا رأي له في اكتساب الأجر ، ثمّ خرج إليّ منكم جنيد متذائب ضعيف (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)(١) فافّ لكم. ثمّ نزل ودخل ودعا عبد الرحمن بن شريح الشبامي فسرّحه إلى مالك بن كعب في طريقه إلى مصر ليردّه فأدركه وأخبره فرجعوا.
وقيل للإمام عليهالسلام : يا أمير المؤمنين ؛ لقد جزعت على محمّد بن أبي بكر جزعا شديدا!
فقال لهم : وما يمنعني؟ إنّه كان لي ربيبا وكان لبنيّ أخا (٢) ، وكنت له والدا أعدّه ولدا! (ولكنّه) كان غلاما حدثا! أما والله لقد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة المرقال (الزهري) ولو قد ولّيته إيّاها لما خلّى لهم العرصة ولا انهزم الفرصة ، ولما قتل إلّا وسيفه في يده ، بلا ذم لمحمد بن أبي بكر فلقد أجهد نفسه وقضى ما عليه!
__________________
(١) الأنفال : ٦.
(٢) كما في الغارات والطبري وفي البلاذري : كان لابني أخي جعفر أخا ٢ : ٣٠٩. وحرّف في المسعودي : وكان ابن أخي ٢ : ٤٠١.