وخرج من دمشق ومن الشام إلى البصرة حتّى نزل في بني تميم ، وسمع بقدومه أهلها والعثمانيّة فيها ، واجتمع إليه رءوسهم ، فقام ابن عامر خطيبا فيهم ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، أيّها الناس ، فإنّ عثمان إمامكم إمام الهدى قتله عليّ بن أبي طالب ظلما ، فطلبتم بدمه وقاتلتم من قتله ، فجزاكم الله من أهل مصر خيرا ، وقد أصيب منكم الملأ الأخيار! وقد جاءكم الله بإخوان لكم لهم بأس شديد يتّقى وعدد الحصى ، فلقوا عدوّكم الذين قاتلوكم ، فبلغوا الغاية التي أرادوا صابرين ورجعوا وقد نالوا ما طلبوا! فمالئوهم وساعدوهم ، وتذكّروا ثأركم تشفوا صدوركم من عدوّكم!
وكان ممّن قدم مع ابن الحضرمي من الشام عبد الرحمن بن عمير المزني القرشي فقام وقال : عباد الله ، إنّا لم ندعكم إلى الاختلاف والفرقة! ولا نريد أن تقتتلوا ولا أن تتنابذوا ، ولكنّا إنّما ندعوكم إلى أن تجمعوا كلمتكم وتوازروا إخوانكم الذين هم على رأيكم! وأن تلمّوا شعثكم وتصلحوا ذات بينكم ، فمهلا اسمعوا لهذا الكتاب الذي يقرأ عليكم ، وأخرج كتاب معاوية وفيه :
من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل البصرة ، سلام عليكم ، أمّا بعد فإنّ سفك الدماء بغير حلّها وقتل النفس التي حرّم الله قتلها هلاك موبق وخسران مبين! لا يقبل الله ممّن سفكها صرفا ولا عدلا!
وقد رأيتم رحمكم الله آثار ابن عفان وسيرته ، وحبّه للعافية ومعدلته وسدّه للثغور ، وإعطاءه للحقوق وإنصافه للمظلوم! وحبّه للضعيف! حتّى وثب عليه الواثبون وتظاهر عليه الظالمون! فقتلوه مسلما محرما (كذا!) ظمآن صائما (!) لم يسفك منها دما ولم يقتل منهم أحدا ، ولا يطلبونه بضربة سيف ولا سوط!