وكان زياد رجلا رفيقا مجرّبا فقال له : قد ترى ما بنا من النصب واللغوب ، والذي جئنا به لا يصلح له الكلام علانية على رءوس أصحابك ، ولكن انزلوا وننزل ثمّ نخلو فنتذاكر أمرنا وننظر فيه ، فإن رأيت فيما جئنا له حظّا لنفسك ، قبلته ، وإن رأيت فيما أسمع منك أمرا أرجو فيه العافية لنا ولك لم أردده عليك.
فقبل بذلك الخرّيت ، فأقبل زياد على أصحابه وقال لهم : انزلوا على الماء ، فأقبل من معه على الماء حتّى انتهو إليه فنزلوا به وتفرّقوا وتحلّقوا سبعة وثمانية وتسعة وعشرة يصنعون طعامهم فيأكلون ، ثمّ علّفوا خيولهم ، ثمّ أتوا أميرهم زيادا فقال لهم :
يا هؤلاء إنّا قد لقينا العدوّ وإن القوم لفي عدّتكم ، ولقد حرزتكم وإيّاهم فما أظنّ أحد الفريقين يزيد على الآخر خمسة نفر ، وو الله ما أرى أمركم وأمرهم إلّا أنّه يصير إلى القتال ، فإن كان كذلك فلا تكونوا أعجز الفريقين ، وليأخذ كلّ رجل منكم بعنان فرسه حتى ادنوا منهم وادعوا إليّ صاحبهم فاكلّمه ، فإن تابعني على ما اريد ، وإلّا فإذا دعوتكم فاستووا على متون خيولكم ثمّ أقبلوا إليّ معا.
ثمّ استقدم زياد أمامهم ودعا صاحبهم الخرّيت بن راشد فقال له : اعتزل فلننظر في أمرنا. فأقبل في خمسة نفر ، وخرج مع زياد خمسة ، فقال له زياد : ما الذي نقمت على أمير المؤمنين وعلينا إذ فارقتنا؟
فقال الخرّيت : لم أرض بصاحبكم إماما ولا بسيرتكم سيرة ، فرأيت أن أعتزل وأكون مع من يدعو إلى الشورى من الناس ، فإذا اجتمع الناس على رجل هو لجميع الأمة رضا كنت مع الناس!
فقال له زياد : ويحك! وهل يجتمع الناس على رجل منهم يداني عليّا صاحبك الذي فارقته ، علما بالله وبكتابه وسنّة رسوله ، مع قرابته منه صلىاللهعليهوآله وسابقته في الإسلام؟!