يا معاوية ؛ علام تقاتل عليّا وليس لك مثل صحبته ولا قرابته ولا هجرته ولا سابقته؟!
فقال لهم : أنا لا أدّعي أنّ لي في الإسلام مثل صحبته ولا قرابته ولا هجرته ولا سابقته ؛ ولكن خبّروني عنكم : ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما؟! قالوا : بلى! قال : فليدفع إلينا قتلته فنقتلهم به ثمّ لا قتال بيننا وبينه!
قالوا : فاكتب إليه كتابا يأتيه به بعضنا. فكتب إلى علي عليهالسلام هذا الكتاب :
«أما بعد ، فإن الله اصطفى محمدا بعلمه ، وجعله الأمين على وحيه والرسول إلى خلقه ، ثمّ اجتبى له أعوانا من المسلمين أيده بهم ، فكانوا في المنازل عنده على قدر فضائلهم في الإسلام.
وكان أنصحهم لله ولرسوله : خليفته! ثمّ خليفة خليفته! ثمّ الخليفة الثالث عثمان المقتول ظلما! فكلّهم حسدت وعلى كلهم بغيت! عرفنا ذلك في نظرك الشزر! وقولك الهجر! وتنفّسك الصعداء وإبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش (١)! تبايع وأنت كاره.
ثمّ لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمّك عثمان! وكان أحقّهم أن لا تفعل به ذلك في قرابته وصهره! فقطعت رحمه ، وقبّحت حسنه ، وألّبت الناس عليه ، وبطنت وظهرت ، حتى ضربت إليه آباط الإبل ، وقيدت إليه الخيل العراب من كل افق ، وشهر عليه السلاح في حرم رسول الله ، فقتل معك في المحلة وأنت تسمع من داره الهيعة ، لا تردع الظن والتهمة عن نفسك فيه بقول ولا فعل! ولعمري يا ابن أبي طالب أقسم صادقا أن لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا
__________________
(١) الفحل : الإبل الذكر ، والمخشوش : الذي ادخل في أنفه الخشاش : عود يشد به زمامه لقياده.