فغضب عمرو وقال له : بأعظم حقّ وأوجبه! إذ كنت في بحر عجّاج ، فلولا عمرو لغرقت في أقلّ مائه وأرقّه ، ولكنّي دفعتك فيه دفعة فصرت في وسطه ثمّ دفعتك اخرى فصرت في الأعلى! فمضى حكمك ونفذ أمرك وانطلق لسانك بعد تلجلجه! وأضاء وجهك بعد ظلمته! وطمست لك الشمس (عليّا عليهالسلام) بالعهن المنفوش ، وأظلمت لك القمر (عليا عليهالسلام) بالليلة المدلهمّة!
فما كان من معاوية إلّا أن أطبق جفنيه وتناوم مليا حتّى خرج عمرو! فاستوى وقال لمن حوله : أرأيتم ما خرج من فم الرجل! ما عليه لو عرّض وفيه ما يكفي! لكنّه جبّهني بكلامه وسموم سهامه!
فقال له بعض جلسائه : قد يكون السائل لئيما فيصون الشريف نفسه عن لسانه فيقضي حاجته!
فبعث معاوية على عمرو وقضى حاجته بصلة جليلة وانصرف فتلا معاوية : (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ)(١) وسمعها عمرو فالتفت إليه مغضبا وقال : والله يا معاوية! لا أزال آخذ منك قهرا ولا اطيع لك أمرا! وأحفر لك بئرا تقع فيه فلا تدرك إلّا رميما! فضحك معاوية وقال : إنما هي آية من كتاب الله عرضت بقلبي فتلوتها يا أبا عبد الله وما أردتك بالكلمة (٢)!
وتبع عبد الله بن العباس : عبد الله بن جعفر الطيار إلى معاوية في الشام ، ومعه عمرو.
فروى المعتزلي عن المدائني قال : بينا عمرو بن العاص عند معاوية إذ أخبر الآذن بدخول عبد الله بن جعفر ، فقال عمرو : والله لأسوءنّه اليوم!
__________________
(١) التوبة : ٥٨.
(٢) شرح النهج للمعتزلي ٦ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥ عن الشعبي الكوفي.