فيا عجبا للدهر! إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها ، إلّا أن يدّعي مدّع ما لا أعرفه ولا أظنّ الله يعرفه ، والحمد لله على كل حال (١).
وذكرت حسدي للخلفاء وإبطائي عنهم وبغيي عليهم! فأمّا البغي فمعاذ الله أن يكون (٢)! وأما الحسد فمعاذ الله أن أكون أسررته أو أعلنته (٣) وأما كراهتي لأمر القوم فإني لست أتبرّأ منه ولا أنكره ؛ وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قبضه الله إليه ونحن أهل بيته أحقّ الناس به ، فقلنا لا يعدل الناس عنّا ولا يبخسونا حقّنا ، فما راعنا إلّا والأنصار قد صاروا إلى سقيفة بني ساعدة يطلبون هذا الأمر ، فصار أبو بكر وعمر إليهم فيمن تبعهما ، فاحتجّ أبو بكر عليهم بأن قريشا أولى بمقام رسول الله صلىاللهعليهوآله منهم ؛ لأن رسول الله من قريش ، وبذلك توصّل إلى الأمر دون الأنصار. فإن كانت الحجة لأبي بكر بكونه من قريش فنحن أحق الناس برسول الله ممن تقدّمنا ؛ لأنّنا أقرب إليه من قريش كلها وأخصهم به ، وإن لم يكن لنا حق مع القرابة فالأنصار على دعواهم (٤).
فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا؟ أو الأنصار ظلموا! بل عرفت أن حقّي هو المأخوذ وقد تركته لهم (٥).
ولقد أتاني أبوك حين قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله وبايع الناس أبا بكر فقال لي :
__________________
(١) نهج البلاغة ك : ٩.
(٢) وقعة صفين : ٨٨ ـ ٩٠.
(٣) أنساب الأشراف ٢ : ٢٨١.
(٤) الفصول المختارة : ٢٨٧ من مصنّفات المفيد.
(٥) وقعة صفين : ٩١.