(مسكون) من العرب غيرنا : فأراد قومنا قتل نبيّنا واجتياح أصلنا ، وهمّوا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل! فمنعونا الميرة وأمسكوا عنّا العذب وأحلسونا الخوف (١) وجعلوا علينا الأرصاد والعيون ، واضطرّونا إلى جبل وعر ، وكتبوا علينا بينهم كتابا : لا يؤاكلونا ولا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتّى ندفع إليهم النبيّ صلىاللهعليهوآله فيقتلوه ويمثلوا به! فلم نكن نأمن فيهم إلّا من موسم إلى موسم.
فعزم الله لنا على منعه (حمايته) والذبّ عن حوزته ، والرمى من وراء حرمته ، والقيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار ، مؤمننا يبغي بذلك الأجر وكافرنا يحامي به عن الأصل (أو الأهل). وأما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء : فمنهم حليف ممنوع ، أو ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن ، فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ...
ثم أمر الله رسوله بالهجرة ، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، فكان إذا احمرّ البأس ودعيت نزال أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة والسيوف ، فقتل عبيدة (بن الحارث بن المطّلب) يوم بدر ، وحمزة يوم احد ، وجعفر وزيد يوم مؤتة ، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه (يعني نفسه) مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبيّ صلىاللهعليهوآله غير مرة ، إلّا أنّ آجالهم عجّلت ومنيّته اخّرت. والله مولى الإحسان إليهم والمنّان عليهم بما قد أسلفوا من الصالحات ، فما سمعت بأحد ولا رأيت فيهم من هو أنصح لله في طاعة رسوله ، ولا أطوع لرسوله في طاعة ربّه ، ولا أصبر على اللأواء والضرّاء وحين البأس ومواطن المكروه مع النبيّ صلىاللهعليهوآله ، من هؤلاء النفر الذين سمّيت لك. وفي المهاجرين خير كثير نعرفه ، جزاهم الله بأحسن أعمالهم (٢).
__________________
(١) أي جعلوا الخوف لنا كأنه حلس وهو الجلّ للإبل فأجلسونا عليه ، تشبيها.
(٢) وقعة صفين : ٨٨ ـ ٩٠.