وقد روى عن الوصيّ عن النبيّ قال : «كل أمر ذي بال لم يبدأ ببسم الله فهو أبتر» (١) ولذا نقل الجاحظ : أن خطباء السلف الطيّب ما زالوا يسمّون الخطبة ـ التي لم تبتدأ (بالتسمية) والتحميد والتمجيد ـ بالبتراء ، والتي لم تزيّن بالصلاة على النبيّ بالشوهاء. ثمّ روى بسنده : أن زيادا في بدء أمره بالبصرة خطب خطبة بتراء لم يحمد الله فيها أو لم يسمّ وحمد فقال :
الحمد لله على إفضاله وإحسانه ، ونسأله المزيد من نعمه ، اللهمّ كما رزقتنا نعما فألهمنا شكرا على نعمتك علينا. أما بعد : فإن الجاهلية الجهلاء والضلالة العمياء والغيّ المدني بأهله على النار الباقي عليهم سعيرها : ما فيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم ، من الأمور العظام ، ينبت فيها الصغير ولا يتحاشاها الكبير ، كأن لم تسمعوا بآي الله ولم تقرءوا كتاب الله ، ولم تسمعوا ما أعدّ الله من الثواب الكريم لأهل طاعته والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمد الذي لا يزول. أتكونون كمن طرفت عينه الدنيا وسدّت مسامعه الشهوات ، واختار الفانية على الباقية ، ولا تذكرون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا إليه من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله! وهذه المواخير المنصوبة! ألم تكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار! قربتم القرابة وباعدتم الدين! تعتذرون بغير العذر ، وتغضّون على المختلس ، كل امرئ منكم يذبّ عن سفيهه ، ضيّع من لا يخاف عقابا ولا يرجو معادا! ما أنتم بالحلماء وقد اتّبعتم السفهاء! ولم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الإسلام! حرام عليّ الطعام والشراب حتّى اسوّيها بالأرض إحراقا وهدما! وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالوليّ والمقيم بالطاعن والمقبل بالمدبر والصحيح بالسقيم حتّى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول له :
__________________
(١) بحار الأنوار ٧٦ : ٣٠٤ عن تفسير الإمام.