أنج سعد فقد هلك سعيد! أو تستقيم لي قناتكم! إياي ودلج الليل فإني لا اوتي بمدلج إلّا سفكت دمه ، وقد أجّلتكم في ذلك بقدر ما يصل الخبر الكوفة ويرجع إليّ! وإياي ودعوى الجاهلية! فإني لا أجد أحدا دعا بها إلّا قطعت لسانه! فمن غرّق قوما غرّقته! ومن حرّق على قوم حرّقناه! ومن نقب بيتا نقّبت عن قلبه! ومن نبش قبرا دفنته فيه حيّا! فكفّوا عنّي أيديكم وألسنتكم اكفف يدي وأذاي! لا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامّتكم إلّا ضربت عنقه! وايم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كلّ امرئ منكم أن يكون من صرعاي! ولست محتجبا عن طالب حاجة منكم ولو أتاني بليل.
فقام الصحابي أبو بلال مرداس بن ادية وقال له : قال الله : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(١) فأنبأنا الله بغير ما قلت وأوعدنا خيرا مما واعدت يا زياد!
فقال زياد : انا لا نجد إلى ما تريد أنت وأصحابك سبيلا حتّى نخوض إليكم الباطل خوضا (٢).
واستعمل زياد على شرطته عبد الله بن حصن العبيدي (أو اليربوعي) وجعلهم أربعة آلاف. وقيل له : إن السبل مخوفة! فقال : لا أعاني شيئا الآن وراء هذا المصر حتّى أغلب على المصر وأصلحه. وكان يؤخّر صلاة العشاء حتّى يكون آخر من يصلّي ، ثمّ يأمر رجلا يرتل سورة البقرة ، ثمّ يمهل بقدر ما يبلغ شخص محلة الخريبة بالبصرة القديمة ، ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج فلا يرى أحدا إلّا قتله!
__________________
(١) النجم : ٣٨ ـ ٣٩.
(٢) البيان والتبيين للجاحظ البصري ٢ : ٦١ ـ ٦٦ ، والأخبار الموفقيات : ٣٠٤ بمختلف الروايات ، والطبري ٥ : ٢١٨ ـ ٢٢١.