وقدم البصرة أعرابي ببقرة له حلوب وغشيه الليل فأقام بموضع ليصبح ، ولا علم له بنداء زياد ، فأخذوه إليه فسأله عن ندائه فقال : لا والله لا علم لي بما كان من الأمير! قال : أظنك صادقا ولكن في قتلك صلاح هذه الأمة! فضرب عنقه.
فجرّد السيف وأخذ بالظنّة وعاقب على الشبهة ، فخافه الناس خوفا شديدا حتّى أمن بعضهم بعضا ، وحتّى كانت المرأة تبيت فلا تغلق عليها بابها! وحتّى كان يسقط شيء من أحد فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه! وحتى كان يقول : لو ضاع بيني وبين خراسان حبل لعلمت من أخذه! فكان أول من أكّد الملك لمعاوية وألزم الناس طاعته وشدّ من أمر السلطان ، وهابه الناس هيبة لم يهابوها أحدا قبله.
وبنى مدينة الرزق (وكانت من مسالح الفرس بالبصرة) فكانت بيت المال ، وأدرّ العطاء عليهم ، وكتب خمسمائة من مشايخ أهل البصرة في صحابته ما بين الثلاثمائة إلى الخمسمائة (درهم أو دينار) (١)!
واستعان بعدة من الصحابة فاستقضى عمران بن حصين الخزاعي ، ثمّ سمرة بن جندب الأنصاري ، ثمّ أنس بن مالك ، ثمّ عبد الله بن فضالة الليثي ثمّ أخاه عاصم بن فضالة ثمّ زرارة بن أوفى الحريثي وقد تزوّج زياد اخته.
واتّخذ خمسمائة من شرطته حرّاسا مرابطين لا يبرحون المسجد (والقصر) عليهم شيبان السعدي التميمي ، ومشوا بين يديه بالحراب والعمد!
وجعل خراسان أربعة أقسام : فجعل على مرو أمير بن أحمر اليشكري
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ عن النميري البصري عن المدائني البصري وغيره ، وعنه قبله في الموفقيات : ٣٠٧ وفيه : أنه صحّ أوّل يوم بسبعمائة رأس بباب القصر : وفي الآتية بخمسين رأسا! وفي الثالثة برأس واحد! ولعلّه هو الأعرابي التالي خبره.