وأطول ما بأيدينا من الأخبار عن أقوال الرجال بمحضر وفد البصرة كتاب «تاريخ الخلفاء» للدينوري المعروف بالإمامة والسياسة ، فيما فيها من التصريح بكونها على عهد الحسن عليهالسلام أي في عام (٤٩ ه) ، واختصر أخباره المسعودي في «مروج الذهب» وأرّخ الوفد بسنة (٥٩ ه) وحذف منها التصريح بكونها في عهد الحسن عليهالسلام ، والراجح هو الأول ، ونختار اختصار المسعودي ، قال :
وفي سنة تسع [وأربعين] وفد على معاوية وفد الأمصار من العراق وغيرها ، ومنهم الأحنف بن قيس التميمي السعدي في آخرين من وجوه الناس.
وكان الضحاك بن قيس الفهري القرشي أمير شرطة معاوية ، ففاتحه معاوية بتوليته عهده ليزيد وقال له : إني جالس من غد للناس فأتكلم بما شاء الله! فإذا فرغت من كلامي فقم وقل في يزيد ما يحقّ له عليك! وادع الناس إلى بيعته ، وقد أمرت عبد الرحمن بن عثمان الثقفي ، وعبد الله بن عضاة الأشعري ، وثور بن معن السلمي : أن يصدّقوك في كلامك! وأن يجيبوك إلى دعوتك!
ولما كان الغد قعد معاوية وأدخلوا عليه ، فخطبهم فأعلمهم بما رأى من حسن رعاية ابنه يزيد وهديه! وأن ذلك دعاه إلى أن يولّيه عهده! فقام الضحاك فأجابه إلى ذلك وحضّ الناس على البيعة ليزيد وقال لمعاوية : اعزم على ما أردت! فقام عبد الرحمن الثقفي ثمّ عبد الله بن عضاة الأشعري ثمّ ثور بن معن السلمي فصدّقوهما ، والأحنف ووفده حضور سكوت ، فقال معاوية : أين الأحنف بن قيس؟ فقام الأحنف فقال : إنّ الناس قد أمسوا في منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان يؤتنف ، ويزيد حبيب قريب ، فإن تولّه عهدك فعن غير كبر مفن ، أو مرض مضن ، وقد حلبت الدهور وجرّبت الأمور ، فاعرف من تسند إليه عهدك ومن تولّيه الأمر بعدك ، واعص رأي من يأمرك ولا يقدّر لك ، ويشير عليك ولا ينظر لك (١)
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ٢٧ ـ ٢٨.