(ولكن) إن رأيت أن تستأني هؤلاء القوم وتستدعيهم حتّى تأتيهم كتبك ، ويقدم عليهم رسلك فعلت! فإن يقبلوا يصيبوا ويرشدوا ، والعافية أوسع لنا ولهم ، وإن يتمادوا في الشقاق ولا ينزعوا عن الغيّ فسر إليهم وقد قدّمنا إليهم العذر ، ودعوناهم إلى ما في أيدينا من الحقّ ، فو الله لهم من الله أبعد وعلى الله أهون من قوم قاتلناهم أمس بناحية البصرة ، لمّا أجهد لهم الحقّ فتركوه. فناوشناهم القتال حتّى بلغنا منهم ما نحبّ ، وبلغ الله منهم رضاه.
وكان رجل من قومه من طيّئ من المتهجّدين أصحاب البرانس (١) يدعى زيد بن الحصين حاضرا فقام وقال : الحمد لله حتّى يرضى ، ولا إله إلّا الله ربّنا ، ومحمّد رسول الله نبيّنا. أما بعد ؛ فو الله لئن كنّا في شكّ من قتال من خالفنا لا تصلح لنا النيّة في قتالهم حتّى نستأنيهم ، فما الأعمال إلّا في تباب ، ولا السعي إلّا في ضلال! والله يقول : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(٢) فإنّا ـ والله ـ ما ارتبنا طرفة عين في من يبتغون دمه (عثمان) فكيف بأتباعه : القاسية قلوبهم ، القليل في الإسلام حظّهم ، أعوان الظّلم ومسدّدي أساس الجور والعدوان ، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين لهم بإحسان.
ورأى ذلك بعض الطائيين تهجينا لكلام سيدهم عديّ فقام رجل منهم وقال لزيد :
يا زيد بن حصين! أكلام سيّدنا عديّ بن حاتم تهجّن؟! فقال زيد :
ما أنتم بأعرف بحقّ عديّ منّي ، ولكنّي لا أدع القول بالحقّ وإن سخط الناس (٣).
__________________
(١) ثوب في رأسه منه قلنسوة طويلة ، كان يلبسها العبّاد ، ولبسها المسلمون.
(٢) آخر آية في سورة الضحى ، وكأنّه يعرّض بعدي أنه ليس مثله في بصيرته.
(٣) وقعة صفين : ٩٨ ـ ١٠٠.