وإنْ كان المخصص المجمل منفصلاً مردّداً بين المتباينين ، فإنّ الخاص يؤثّر في الدلالة التصديقية الجديّة للعام ، وهي مرتبة حجيّة الكلام ، فتسقط الحجيّة بالنسبة إلى مورد الترديد ، ويُعنون العام بغير الخاص من حيث الحجيّة ، ويصبح العام مجملاً إجمالاً حكمياً ... وبيان ذلك :
إن كلّ كلام يصدر من المتكلّم ، فإنه ما دام متكلّماً فله أن يلحق بكلامه ما شاء ، فإذا فرغ منه انعقد الظهور وكان حجةً يؤاخذ به ، وحينئذٍ ، لا يرفع اليد عن هذا الظهور ولا يسقط الكلام عن الحجيّة إلاّ بدليلٍ ، وقد تقرّر عندهم رفع اليد عن العامّ بالخاص ، فيكون مسقطاً للعام عن الحجيّة وإن كان ـ أي الخاص ـ مردداً ... إلاّ أنهم قد اختلفوا في وجه ذلك على قولين : فمنهم من قال : بأنّ الوجه هو أقوائية الخاص في الحجيّة من العام ، فيقدّم الأقوى. ومنهم من قال : بأنّ حجيّة العام في العموم كانت معلَّقةً على عدم قيام قرينةٍ معيّنةٍ للمراد الجدّي منه ، فحجيّة أصالة العموم بالنسبة إلى الإرادة الجدّية معلّقة على عدم المخصّص ، والقرينة المعلَّق عليها مقدّمة دائماً على المعلَّق.
نعم ، هنا بحث آخر ، وهو أنه لمّا كان الخاص مردّداً بين المتباينين ، فإنّ العام يسقط عن الحجية بالنسبة إلى طرفي الاستعمال ، فلا يمكن التمسّك به لا لزيد بن عمرو ولا لزيد بن بكر ، للعلم الإجمالي بسقوطه بالنسبة إلى أحدهما ، ومقتضاه خروج كليهما من تحته حكماً ، ولكنْ هل خروجهما عنه بسبب قصور أصالة العموم لهما اقتضاءً ، أو أن العام يشملهما لكنّ العلم الإجمالي يوجب سقوط الاصول العمليّة بالنسبة إليهما على أثر المعارضة؟
وعلى كلّ حالٍ ، فإنه مع وجود العلم الإجمالي يسقط العام عن الحجيّة ، ولا يمكن التمسّك بالاستصحاب لإبقاء وجوب إكرام هذا أو ذاك ... للزوم