«أيها الناس ، إنكم لو طلبتم بين جابلق (الغرب) وجابلس (الشرق) رجلا جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله ما وجدتموه غيري وأخي الحسين. وإنّ الله قد هداكم بأوّلنا محمد صلىاللهعليهوآله وإنّ أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور! وإنّ معاوية (بلا لقب الإمرة) نازعني حقّا هو لي فتركته لصلاح الأمّة وحقن دمائها! وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت ، وقد رأيت أن أسالمه فبايعته (١).
إنّما الخليفة من سار بكتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله ، وليس الخليفة من سار بالجور (وإنما ذلك) ملك ملك ملكا يمتّع به قليلا ثمّ تنقطع لذّته وتبقى تبعته. ثمّ تلا قوله سبحانه : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)(٢) وسكت ونزل.
ثمّ تقدّم معاوية فجمّع بالناس فخطبهم خطبة طويلة لم ينقلها تامّة أحد من الرواة وإنما جاءت في الأخبار مقطّعة ، وسنذكر ما انتهى من ذلك إلينا (٣) :
صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : «أما بعد ، فإنه لم تختلف أمّة بعد نبيّها إلّا غلب باطلها حقّها (٤) ثمّ إنه انتبه فقال : «إلّا هذه الأمّة» فإنّها وإنّها» (٥).
ثمّ روى أبو الفرج الأموي ، بسنده عن عبد الرحمن بن شريك ، عن أبيه شريك ، عن الأعمش ، عن سعيد بن سويد أنّه قال في خطبته : «إني والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا ، فإنّكم لتفعلون ذلك ، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم! وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون» ثمّ قال شريك في حديثه : إنّ هذا لهو التهتّك!
__________________
(١) أنساب الأشراف ٣ : ٤٥ ، الحديث ٥٠ ـ ٥١.
(٢) مقاتل الطالبيين : ٤٧ ، والآية في الأنبياء : ١١١.
(٣) المصدر السابق : ٤٥.
(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٦.
(٥) مقاتل الطالبيين : ٤٥ بطريقين عن الشعبي شاهدا.