وقال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعم ، وننسيهم الشكر.
وقال الحسن : كم مستدرج بالإحسان إليه ، وكم مفتون بالثناء عليه ، وكم مغرور بالستر عليه (١).
وقال أبو روق : كلما أحدثوا الخطيئة جددنا لهم نعمة ، وأنسيناهم الاستغفار.
قال ابن عباس : سنمكر بهم (٢) ، وروي أن رجلا من بني إسرائيل قال : يا ربّ ، كم أعصيك وأنت لا تعاقبني ، فأوحى الله إلى نبي زمانهم أن قل له : كم من عقوبة لي عليك وأنت لا تشعر أنّ جمود عينك ، وقساوة قلبك استدراج منّي ، وعقوبة لو عقلت (٣).
والاستدراج : ترك المعالجة ، وأصله النقل من حال إلى حال كالتدريج.
ومنه قيل : درجات ، وهي منزلة واستدرج فلان فلانا ، أي : استخرج ما عنده قليلا قليلا ، ويقال : درجه إلى كذا ، واستدرجه بمعنى أدناه على التدريج ، فتدرج.
ومعنى الآية : إنا لما أنعمنا عليهم اعتقدوا أن ذلك الإنعام تفضيل لهم على المؤمنين ، وهو في الحقيقة يسبب هلاكهم.
قوله : (وَأُمْلِي لَهُمْ) أي : أمهلهم ، وأطيل لهم المدة ، كقوله (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران : ١٧٨] والملاوة : المدة من الدهر ، وأملى الله له ، أي : أطال له ، والملوان: الليل والنهار.
وقيل : (وَأُمْلِي لَهُمْ) ، أي : لا أعاجلهم بالموت ، والمعنى واحد ، والملا مقصور : الأرض الواسعة سميت بها لامتدادها (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) أي : إن عذابي لقوي شديد ؛ فلا يفوتني أحد ، وسمى إحسانه كيدا كما سماه استدراجا في صورة الكيد ووصفه بالمتانة لقوة أثر استحسانه في السبب للهلاك.
فصل في إرادة الكائنات
قال ابن الخطيب : تمسك الأصحاب بهذه الآية في مسألة إرادة الكائنات ، لأن هذا الاستدراج والكيد إن لم يكن لهما أثر في الطغيان ، فليسا بكيد ، ولا استدراج ، وإن كان لهما أثر فيه لزم أن يكون الحق سبحانه مريدا له ، لأن من فعل شيئا لحصول شيء وأكده وقواه لا بد وأن يكون مريدا لحصول ذلك الشيء.
أجاب الكعبيّ : بأن المراد استدراجهم إلى الموت ، أي : يخفى عنهم زمن الموت من حيث لا يعلمون ، وهو مقتضى الحكمة ، وإلا لكان فيه إغراء بالمعاصي ، لأنهم لو عرفوا الوقت الذي يموتون فيه أقدموا على المعاصي ، ثم صاروا مفتنين.
__________________
(١) ينظر المصدر السابق.
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) ينظر المصدر السابق.