كانت فيها المهادنة بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين كفار قريش ، فأهدت إلى أسماء بنت أبي بكر قرطا وأشياء ، فكرهت أن تقبل منها حتى أتت رسول الله فذكرت ذلك له ، فأنزل الله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ)(١) ذكر هذا الخبر الماوردي (٢) وغيره ، وخرجه أبو داود الطّيالسي في مسنده.
قوله : (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) وقوله : (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) بدلان من الذين قبلهما بدل اشتمال ، فيكون في موضع جرّ.
والمعنى : لا ينهاكم الله عن أن تبروا هؤلاء الذين لم يقاتلوكم ، إنما ينهاكم عن تولي هؤلاء وهم خزاعة ، صالحوا النبي صلىاللهعليهوسلم على ألّا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا ، فأمر ببرهم والوفاء لهم إلى أجلهم. حكاه الفرّاء (٣).
وقوله : (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ). أي : تعطوهم قسطا من أموالكم على وجه الصلة ، وليس يريد به من العدل ، فإن العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل ، قاله ابن العربي (٤).
فصل في نفقة الابن المسلم على أبيه الكافر
نقل القرطبي عن القاضي أبي بكر في كتاب «الأحكام» له : أن بعض العلماء استدلّ بهذه الآية على وجوب نفقة الابن المسلم على أبيه الكافر ، قال : وهذه وهلة عظيمة ، إذ الإذن في الشيء ، أو ترك النهي عنه لا يدل على وجوب ، وإنما يعطي الإباحة خاصة ؛ وقد بيّنّا أنّ القاضي إسماعيل بن إسحاق دخل عليه ذمي فأكرمه ، فأخذ عليه الحاضرون في ذلك ، فتلا هذه الآية عليهم» (٥).
قوله تعالى : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(٩)
قوله تعالى : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) أي : جاهدوكم على الدين
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦٢) والحاكم (٢ / ٤٨٠ ـ ٤٨٦) وأحمد والبزار كما في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٢٦) والطيالسي وأبو يعلى كما في «المطالب العالية» (٣ / ٣٨٧) رقم (٣٧٧٨).
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الهيثمي (٧ / ١٢٦) : وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٠٥) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في «تاريخه» والطبراني وابن مردويه.
(٢) ينظر : النكت والعيون ٥ / ٥١٩ ـ ٥٢٠.
(٣) ينظر : معاني القرآن له ٣ / ١٥٠ ، والقرطبي ١٨ / ٤٠.
(٤) ينظر : أحكام القرآن له ٤ / ١٧٨٣.
(٥) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٤٠ ، وأحكام القرآن للقاضي ابن العربي ٤ / ١٧٨٤.