الله ، فإذا أجدبوا وخاست ثمارهم قالوا : هذا بشؤم محمد ، فأمر الله تعالى نبيه أن يقول : ان جميع ذلك من عند الله ، ثم قال : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً).
فصل : قوله (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) الاية : ٧٩.
الحسنة والسيئة الطاعة والمعصية ، ذكره أبو العالية وأبو القاسم ، ويكون المعنى أن الحسنة التي هي الطاعة باقدار الله وترغيبه فيها ولطفه لها ، والسيئة بخذلانه على وجه العقوبة له على المعاصي المقدمة ، وسماه سيئة كما قال (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (١) والتقدير : ما أصابك من ثواب حسنة فمن الله ، لأنه الذي عرضك للثواب وأعانك عليها ، وما أصابك من عقاب سيئة فمن نفسك ، لأنه تعالى نهاك عنها وزجرك عن فعلها ، فلما ارتكبتها كنت الجاني على نفسك.
فان قيل : كيف عاب قول المنافقين في الاية الاولى لما قالوا : إذا أصابتهم حسنة أنها من عند الله وإذا أصابتهم سيئة قالوا هذه من عندك. وقد أثبت مثله في هذه الاية؟
قلنا : عنه جوابان : أحدهما ـ أن ذلك على وجه الحكاية والتقدير يقولون : ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، ويكون يقولون محذوفا لدلالة سياق الكلام عليه.
الثاني : أن معناهما مختلف ، فالأول عند أكثر أهل العلم أن المراد به النعمة والمصيبة من الله ، وفي الاية الثانية المراد به الطاعة والمعصية ، فلما اختلف معناهما لم يتناقضا ، ويكون وجه ذكر هذه الاية عقيب الاولى أن لا يظن ظان ان الطاعات والمعاصي من فعل الله ، لما قال في الاية الاولى (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
__________________
(١). سورة الشورى : ٤٠.