التعبد علينا بالصبر على ما أنزلته بنا من هذه الرجفة والصاعقة اللتين جعلتهما عقابا لمن سأل الرؤية وزجرا لهم ولغيرهم.
ومثله قوله (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) (١) يعني بذلك الأمراض والاسقام التي شدد الله بها التعبد على عباده ، فسمي ذلك فتنة من حيث يشتد الصبر عليها.
وقوله (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) معناه : تضل بترك الصبر على فتنتك وترك الرضا بها من تشاء عن نيل ثوابك ودخول جنتك ، وتهدي بالرضا بها والصبر عليها من تشاء.
وانما نسب الضلال الى الله ، لأنهم ضلوا عند أمره وامتحانه ، كما أضاف زيادة الرجس الى السورة في قوله (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (٢) وان كانوا هم الذين ازدادوا عندها.
فصل : قوله (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) الاية : ١٥٦.
قيل : انما علقه بالمشيئة ولم يعلقه بالمعصية لامرين :
أحدهما : الاشعار بأن وقوعه بالمشيئة له دون المغفرة (٣).
الثاني : أنه لا يشاء ذلك الا على المعصية ، فأيهما ذكر دل على الاخر.
وعندنا أنه علقه بالمشيئة ، لأنه كان يجوز الغفران عقلا بلا توبة.
«ورحمتي وسعت كل شيء» قيل : المعنى أنها تسع كل شيء ان دخلوها ، فلو دخل الجميع لوسعتهم الا أن فيهم من يمتنع منها من الضلال بما لا يدخل معه فيها.
فصل : قوله (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) الاية : ١٥٩.
__________________
(١). سورة التوبة : ١٢٧.
(٢). سورة التوبة : ١٢٦.
(٣). في التبيان : المعصية.