لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) الاية : ١٥٩.
روي عن ابن عباس أن جماعة من الأنصار سألوا نفرا من اليهود عما في التوراة ، فكتموهم إياه ، فأنزل الله «ان الذين يكتمون» الاية. وانما نزل فيهم هذا الوعيد ، لان الله تعالى علم منهم الكتمان.
وعموم الاية يدل على أن كل من كتم شيئا من علوم الدين وفعل مثل فعلهم في عظم الجرم أو أعظم منه ، فان الوعيد يلزمه. وأما ما كان دون ذلك ، فلا يعلم بالاية بل بدليل آخر ، وقد روي عن النبي عليهالسلام أنه قال : من سئل عن علم يعلمه فكتمه ، ألجم يوم القيامة بلجام من نار. وقال أبو هريرة : لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم ، وتلا «ان الذين يكتمون ما أنزل الله» الاية. فهذا تغليظ للحال في كتمان علوم الدين.
واستدل قوم بهذه الاية على وجوب العمل بخبر الواحد ، من حيث أن الله تعالى توعد على كتمان ما أنزله ، وقد بينا في أصول الفقه أنه لا يمكن الاعتماد عليه لان غاية ما في ذلك وجوب الاظهار ، وليس إذا وجب الاظهار وجب القبول.
كما أن على الشاهد الواحد يجب اقامة الشهادة ، وان لم يجب على الحاكم قبول شهادته ، حتى ينضم اليه ما يوجب الحكم بشهادته ، وكذلك يجب على النبي اظهار ما حمله ، ولا يجب على أحد قبوله حتى يقترن به المعجز الدال على الصدق ولذلك نظائر ذكرناها.
على أن الله تعالى بين أن الوعيد انما توجه على من كتم ما هو بينة وهدى وهو الدليل ، فمن أين أن خبر الواحد بهذه المنزلة ، فاذن لا دلالة في الاية على ما قالوه والبينات والهدى هي الادلة ، وهما بمعنى واحد ، وانما كرر لاختلاف لفظهما.
فصل : قوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) الاية : ١٦٠.