والوجه في خلق الكرسي إذا قلنا انه جسم ، هو أن الله تعالى تعبد تحمله الملائكة والتعبد عنده ، كما تعبد البشر بزيارة البيت ولم يخلقه ليجلس عليه ، كما تقول المجسمة ، واختاره الطبري ، لأنه عزوجل يتعالى عن ذلك ، لان ذلك من صفات الأجسام ، ولو احتاج الى الجلوس عليه لكان جسما ومحدثا وقد ثبت قدمه.
فصل : قوله (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) الاية : ٢٥٦.
قيل : في معنى قوله (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) أربعة أقول :
أولها : قال الحسن وقتادة والضحاك : انها في أهل الكتاب خاصة الذين يؤخذ منهم الجزية.
الثاني : قال السدي وابن زيد : انها منسوخة بالآيات التي أمر فيها بالحرب.
الثالث : قيل (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) أي : لا تقولوا لمن دخل فيه بعد حرب أنه دخل مكرها ، لأنه إذا رضي بعد الحرب وصح إسلامه فليس بمكره.
فان قيل : كيف يقولون لا إكراه في الدين وهم يقتلون عليه؟
قلنا : المراد بذلك لا إكراه فيما هو دين في الحقيقة ، لان ذلك من أفعال القلوب إذا فعل لوجه وجوبه. وأما ما يكره عليه من اظهار الشهادتين فليس بدين ، كما أن من أكره على كلمة الكفر لم يكن كافرا.
وقوله (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) معناه : قد ظهر بكثرة الحجج. والغي ضد الرشد ، وغوى إذا خاب ، قال الشاعر :
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما (١)
وقوله (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) يحتمل أمرين : أحدهما خيبتني. الثاني بما حكمت
__________________
(١). قائله المرقش الأصغر ، وصدره : من يلق خيرا يحمد الناس أمره. العقد الفريد ٢ / ١٧٦.