عائشة : «من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة» (١). (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) قضاء نحبه لكونه موقنا ، كعثمان وطلحة وغيرهما ممن استشهد بعد ذلك فإنهم مستمرون على نذورهم (وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (٢٣) أي وما غيروا العهد تغييرا بالنقض (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) أي بصدق ما وعدهم بالقول والفعل في الدنيا والآخرة (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ) الذين كذبوا وأخلفوا بما صدر عنهم من الأعمال والأقوال المحكية (إِنْ شاءَ) تعذيبهم فيمنعهم من الإيمان فماتوا على النفاق (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) إن تابوا قيل : الموت إن أراد ذلك (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً) لمن تاب حيث ستر ذنوبهم (رَحِيماً) (٢٤) حيث رزقهم الإيمان (وَرَدَّ اللهُ) أي صرف الله (الَّذِينَ كَفَرُوا) ـ وهم الأحزاب ـ (بِغَيْظِهِمْ) أي ملتبسين به (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) أي غير ظافرين يخير من دين ودنيا. (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) أي رفع الله مؤنة القتال عن المؤمنين بالريح والملائكة ، (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا) على نصر المؤمنين فلم يحوجهم إلى قتال الكفار ، (عَزِيزاً) (٢٥) أي قادرا على إهلاك الكافرين وإذلالهم.
روى البخاري عن سلمان بن صرد قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين انجلى الأحزاب يقول : «الآن نغزوهم ولا يغزونا نحن نسير إليهم» (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) أي عاونوا كفار مكة (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) وهم بنو قريظة والنضير كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب وأصحابهما ، (مِنْ صَياصِيهِمْ) أي حصونهم (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) ، أي الخوف الشديد حتى سلموا أنفسهم للقتل وأولادهم ونساءهم للسبي (فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) وهم الرجال ، كانوا ستمائة (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) (٢٦) وهم النساء والذراري ، وكانوا سبعمائة (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ) من الحدائق والمزارع (وَدِيارَهُمْ) ، أي منازلهم (وَأَمْوالَهُمْ) من النقد والماشية ، والسلاح ، والأثاث وغيرها ، (وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) أي لم تقبضوها الآن ، وهي خيبر فإنها فتحت بعد بني قريظة بسنتين ـ كما قاله السدي ومقاتل ـ أو هي أرض الروم ـ وفارس كما قاله الحسن ـ (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) (٢٧) ويملككم غيرها.
روي أن جبريل عليهالسلام أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب ورجع المسلمون إلى المدينة ووضعوا السلاح وهو على فرسه الحيزوم ، والغبار على وجه الفرس ، والسرج فقال صلىاللهعليهوسلم : «ما هذا يا جبريل؟» فقال : من متابعة قريش. فجعل رسول الله يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن سرجه فقال : يا رسول الله إن الملائكة لم تضع السلاح منذ
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الطلاق ، باب : ٣٥ ، والنسائي في كتاب الطلاق ، باب : التوقيت في الخيار ، وابن ماجة في كتاب الطلاق ، باب : الرجل يخيّر امرأته ، وأحمد في (م ٦ : ٢١٢).