أقول : وهذا جارٍ في الخبر الأوّل أيضاً. ويحتمل فيه زيادة عليه الحمل على الاستحباب فيما لو كان المزكّي فقيراً كما هو مورده ، على ما في المختلف وغيره (١).
ولا بأس به في مقام الجمع ، وإلاّ فظاهر المورد من لا يتمكن لكونه في البادية ، وهو غير عدم التمكّن من جهة الفقر والفاقة.
وكيف كان ، فالظاهر ضعف هذا القول ومساواة اللبن لغيره في وجوب الصاع بتمامه ، وفاقاً لما أطلقه أكثر القدماء ، كالمفيد والمرتضى والإسكافي والقاضي والحلبي والشيخ في الخلاف وابن زهرة العلوي (٢) ، وبه صرّح المتأخّرون من غير خلاف يعرف بينهم عدا الفاضل في القواعد ، وقد رجع عنه في المختلف (٣) ، ولعلّه لذا عَزا بعض المتأخّرين الرواية الدالة عليه إلى الشذوذ (٤).
ولا يخلو عن مناقشة ؛ لما عرفته من مصير جملة من القدماء إليه ، وسيّما نحو الحلّي الذي لا يعمل بخبر الواحد إلاّ بعد قطعيّته ، وقد مرّ عن فخر الدين دعواه كونها مذهب كثير ، ومع ذلك رواها في النهاية مرسلاً (٥) ، بل يحتمل كونها من كلامه ، ورواها أيضاً في الخلاف (٦) بسند لا بأس به
__________________
(١) المختلف : ١٩٨ ؛ وانظر الحدائق ١٢ : ٢٩٥.
(٢) المفيد في المقنعة : ٢٥٠ ، المرتضى في الجمل ( رسائل المرتضى ٣ ) : ٨٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ١٩٨ ، القاضي في المهذب ١ : ١٧٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٧٢ ، الشيخ في الخلاف ٢ : ١٥٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٨.
(٣) القواعد : ٦١ ، المختلف : ١٩٨.
(٤) المفاتيح ١ : ٢١٩.
(٥) النهاية : ١٩١.
(٦) الخلاف ٢ : ١٥٠.