قيل : المراد بالسعي هنا القصد. قال الحسن : والله ما هو بسعي على الأقدام ولكنه سعي بالقلوب والنية.
وقال الجمهور : السعي العمل كقوله تعالى : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) [الإسراء : ١٩] ، وقوله : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [من سورة الليل] ، وقوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩].
والمعنى : فاعملوا على المضي إلى ذكر الله واشتغلوا بأسبابه من الغسل والطهر والتوجه إليه.
وقيل : المراد به السعي على الأقدام ، وذلك فضل ، وليس بشرط ، لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرّمه الله على النّار» (١).
قال القرطبي (٢) : «ويحتمل ظاهره وجها رابعا ، وهو الجري والاشتداد».
قال ابن العربي (٣) : وهو الذي أنكره الصّحابة والفقهاء الأقدمون ، فقرأها (٤) عمر ـ رضي الله عنه ـ : «فامضوا إلى ذكر الله» فرارا عن طريق الجري والاشتداد الذي يدل عليه الظاهر.
وقرأ ابن مسعود كذلك ، وقال : لو قرأت : «فاسعوا» لسعيت حتى يسقط ردائي.
وقال ابن شهاب : [فامضوا](٥) إلى ذكر الله ، سالكا تلك السبيل ، وهو كله تفسير منهم لا قراءة قرآن منزل ، وجائز قراءة القرآن بالتفسير في معرض التفسير.
قال أبو بكر بن الأنباري : وقد احتج من خالف المصحف بقراءة عمر وابن مسعود ، وأن خرشة بن الحر قال : رآني عمر ـ رضي الله عنه ـ ومعي قطعة فيها : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) فقال عمر : من أقرأك هذا؟ قلت : أبيّ ، فقال : إن أبيّا أقرؤنا للمنسوخ ثم قرأ عمر : «فامضوا إلى ذكر الله».
وقال الفراء وأبو عبيدة : معنى السّعي في الآية المضي للجمعة.
واحتج الفراء بقولهم : هو يسعى في البلاد يطلب فضل الله (٦).
واحتج أبو عبيدة بقول الشاعر : [السريع]
__________________
(١) أخرجه البخاري (٢ / ٤٥٣) كتاب الجمعة ، باب : المشي إلى الجمعة رقم (٩٠٧) والترمذي (١٦٣٢) والنسائي (٦ / ١٤) من حديث أبي عيسى بن جبر.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٦٧.
(٣) ينظر : أحكام القرآن ٤ / ١٨٠٤.
(٤) وقرأ بها عليّ وأبيّ وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وابن الزبير ، وجماعة من التابعين كما في المحرر الوجيز ٥ / ٣٠٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٦٥ ، والقرطبي ١٨ / ٦٧.
(٥) في أ : فاسعوا.
(٦) ينظر معاني القرآن للفراء ٣ / ١٥٦.