والثاني : من شهده بأن حضره ولم يغب ، لأنه يقال شاهد بمعنى حاضر ، ويقال شاهد بمعنى شاهد (١). وروي عن ابن عباس وعبيدة السلماني ومجاهد وجماعة من المفسرين ورووه عن علي عليهالسلام أنهم قالوا : من شهد الشهر بأن دخل عليه الشهر وهو حاضر ، فعليه أن يصوم الشهر كله ، وان سافر فيما بعد فليصم في الطريق ، ولا يجوز له الإفطار.
وعندنا أن من دخل عليه الشهر كره له أن يسافر حتى يمضي ثلاث وعشرون من الشهر ، الا أن يكون سفرا واجبا كالحج ، أو تطوعا كالزيارة ، فان لم يفعل وخرج قبل ذلك ، كان عليه الإفطار ولم يجزه الصوم.
وقوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ناسخ للفدية على قول من قال بالتخيير ولم ينسخ ، وعندنا أن المرضعة والحامل إذا خافا على ولدهما أفطرتا وكفرتا ، وكان عليهما القضاء فيما بعد إذا زال العذر ، وبه قال جماعة من المفسرين كالطبري وغيره.
وقوله (مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) قد بينا أنه يدل على وجوب الإفطار في السفر ، لأنه أوجب القضاء بنفس السفر والمرض ، وكل من قال بذلك أوجب الإفطار ، ومن قدر في الاية أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر ، زاد في الظاهر ما ليس فيه.
فان قيل : هذا كقوله (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) (٢) ومعناه فحلق.
قلنا : انما قدرنا هناك فحلق للإجماع على ذلك ، وليس هاهنا اجماع ، فيجب أن لا يترك الظاهر ولا يزيد فيه ما ليس فيه.
__________________
(١). في التبيان : مشاهد.
(٢). سورة البقرة : ١٩٦.