قرأ حمزة والكسائي «من تفوت» بتشديد الواو ، (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) أي رد بصرك إلى السماء (هَلْ تَرى) فيها (مِنْ فُطُورٍ) (٣) ، أي شقوق وعيوب ، (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) أي ارجع البصر إلى السماء رجعة بعد رجعة وإن كثرت (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) ، أي بعيدا من إصابة ما التمسه من العيب ، (وَهُوَ حَسِيرٌ) (٤) أي كليل لكثرة المراجعة ، (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) أي القربي من الناس (بِمَصابِيحَ) أي بكواكب مضيئة بالليل إضاءة السرج ، (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) أي جعلنا الكواكب رجم أعدائكم بانقضاض الشهب المقتبسة من نار الكواكب ، إذا أرادوا استراق السمع ، (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ) في الآخرة (عَذابَ السَّعِيرِ) (٥) بعد الإحراق في الدنيا بالشهب ، (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) من الشياطين وغيرهم ، (عَذابُ جَهَنَّمَ).
وقرئ بالنصب على أنه عطف على عذاب السعير ، كما أن «للذين» عطف على «لهم» ، فهو عطف المفرد على المفرد وعلى هذا ، فالوقف على «السعير» جائز. وإن قرئ عذاب جهنم بالرفع كما هو قراءة الجمهور فالوقف على «السعير» تام ، (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٦) جهنم (إِذا أُلْقُوا) أي الكفار (فِيها سَمِعُوا لَها) أي لجهنم (شَهِيقاً) أي صوتا كصوت الحمار ، (وَهِيَ تَفُورُ) (٧) أي والحال أن جهنم تغلي بهم غليان المرجل بما فيه ، (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) أي تقرب جهنم تتفرق من شدة الغضب على الكفار.
وقرئ شاذا «تتميز» على الأصل ، (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) أي جماعة من الكفرة (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها) بطريق التوبيخ والتقريع ، (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) (٨) يتلو عليكم آيات ربكم وينذركم لقاء يومكم هذا؟ (قالُوا) اعترافا منهم بعدل الله وإقرارا بأن الله أزاح عللهم ببعثة الرسل : (بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا) ذلك النذير في كونه نذيرا من جهة الله تعالى (وَقُلْنا) في حق ما تلاه من الآيات : (ما نَزَّلَ اللهُ) على أحد (مِنْ شَيْءٍ) أي من كتاب ، (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) (٩) أي ما أنتم أيها النذر ـ في ادعاء أنه تعالى نزّل عليكم آيات ـ إلا في ضلال كبير أي بعيد عن الصواب ، ويجوز أن يكون الخطاب من كلام الخزنة للكفار. والمعنى : ما أنتم أيها الكفار إلا في ضلال كبير في الدنيا ، وهو الشرك بالله ، وفي هلاك عظيم في العذاب. (وَقالُوا) للخزنة : (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (١٠) أي لو كنا نسمع الإنذار سماع من كان طالبا للحق أو نعقله عقل من كان متفكرا لما كنا اليوم مع أهل الوقود في النار ، (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) أي أقروا بتكذيبهم الرسل وبكفرهم بآيات الله ، (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) (١١) وهو منصوب إما على المفعول به أي ألزمهم الله سحقا ، أي بعدا من رحمته أو على المصدر والتقدير : سحقهم الله سحقا أي باعدهم الله من رحمته مباعدة. وقرأ الكسائي بضم الحاء (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي حال كونهم في الخلوة حيث لا يراهم الناس ، (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١٢) في الجنة (وَأَسِرُّوا) أيها الناس (قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١٣) ، أي عليم بالقلوب وأحوالها ، فاحذروا من المعاصي سرا