من أنّ ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح ، فإنّ أكثر عباراتهم خالٍ عن التصريح ، وقال المصنّف في التذكرة : الأحوط للصائم الإمساك عن الإفطار حتّى تيقّن الغروب ؛ لأصالة بقاء النهار ، فيستصحب إلى تيقّن خلافه. ولو اجتهد وغلب على ظنّه دخول الليل فالأقرب جواز الأكل وظاهره وجود الخلاف في الحكم المذكور ، وما قربه متّجه ، لصحيحة زرارة (١).
أقول : وممّن ظاهره المخالفة ، وعدم جواز التعويل على الظنّ : الحلّي في السرائر ، لكن في الظنّ غير القوي ، كما يستفاد من عبارته ، حيث أوجب فيها القضاء مع الظنّ ونفاه مع غلبته ، معلّلاً الثاني بصيرورة تكليفه في عبادته غلبة ظنّه (٢).
وهو ظاهر بل صريح في أنّ تكليفه مع الظنّ غير الغالب الصبر وعدم جواز الاعتماد عليه.
وما ذكره الحلّي من هذا التفصيل في أصل المسألة غير واضح المأخذ والحجّة ، بل إطلاق النصوص المتقدّمة يدفعه. مع أنّ مراتب الظنّ غير منضبطة ؛ إذ ما من ظنٍّ إلاّ وفوقه أقوى ودونه أدنى ، لاختلاف الأمارات الموجبة له ، فالوقوف على أول جزء من مراتبه لا يكاد يتحقّق ، بل ولا على ما فوقه. وبذلك ردّه من المتأخّرين جماعة (٣).
وقد تلخص ممّا ذكرنا أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة : وجوب القضاء مطلقاً ، وعدمه كذلك ، والتفصيل بين ضعيف الظنّ فالأول ، وقويّه فالثاني ، وخيرها : أوسطها ، لولا ما قدّمناه ، وأحوطها : أولها قطعاً.
__________________
(١) الذخيرة : ٥٠٢ ، وتقدّمت صحيحة زرارة في ص ٢٥٦٢ الرقم (١٠).
(٢) السرائر ١ : ٣٧٧.
(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ٧٢ ، وصاحب المدارك ٦ : ٩٧.