الذاتيّة كما صنع القدماء ، ولم نأخذ بوجهة نظر صاحب الكفاية من تعميمه الذاتي إلى ما لم تكن فيه واسطة عروضية (١) لعلمنا أن هذا التضييق على التقديرين معا لا يفي بواقع موضوعات المسائل لأي علم من العلوم ولا يسلم من إشكالات عدم الاطراد والانعكاس.
وموضوعنا في الفقه المقارن ـ وهو الّذي يجمع موضوعات مسائله ـ هو : آراء المجتهدين في المسائل الفقهية من حيث تقييمها والموازنة بينها وترجيح بعضها على بعض.
وانما قيدنا الموضوع بآراء المجتهدين لنبعد من طريقنا آراء المقلدة الذين لا يعكسون سوى الصدى لمراجعهم في التقليد. ونقتصر في بحوثنا هذه على ذوي الأصالة في الرّأي من المراجع أنفسهم ، سواء كانوا أئمة مذاهب أم غيرهم من الأعلام.
ومن تحديدنا لموضوعه يتضح :
الفرق بينه وبين علم الفقه :
فموضوع علم الفقه ـ فيما نرى ـ هو نفس الأحكام الشرعية أو الوظائف العملية من حيث التماسها من أدلتها ، وهذا موضوعه آراء المجتهدين فيها من حيث الموازنة والتقييم. ومن هذا الاختلاف في طبيعة الموضوع نشأ بينهما فارق منهجي ، فالفقيه غير ملزم بعرض الآراء الأخرى ومناقشتها ، وانما يكتفي بعرض أدلته الخاصة التي التمس منها الحكم ، بخلاف المقارن والخلافي فهما ملزمان باستعراض مختلف الآراء والأدلة وإعطاء الرّأي فيها. فالفارق بينهما اذن فارق
__________________
(١) كفاية الأصول : ١ ـ ٣ ويريد بالواسطة العروضية الواسطة التي يتقوم بها العرض حقيقة وينسب إلى ذي الواسطة تجوزا ، كنسبة البياض إلى مجموع الجسم مع تقومه بالواسطة حقيقة وهو السطح. وأكثر محمولات مسائل العلوم من هذا القبيل لتقومها بموضوعاتها الخاصة حقيقة ، ونسبتها إلى القدر الجامع بين الموضوعات نسبة تجوزية.