من فترات تاريخ الفقه الإسلامي ليس هو القياس الّذي عرف فيما بعد في عصر الفقهاء وأصحاب المذاهب الأربعة المشهورة ، ولكن الرّأي الّذي استعمله بعض الصحابة لا يبعد كثيرا عن هذا القياس ان لم يكنه ، وان كانوا لم يؤثر عنهم في العلة ومسالكها ، وسائر البحوث التي لا بدّ منها لاستعمال القياس شيء مما عرفناه في عصر أولئك الفقهاء» (١).
وما أدري كيف علم ان الرّأي الّذي استعملوه لا يبعد عن قياس المتأخرين ان لم يكنه إذا كان لم يؤثر عنهم شيء عن العلة ومسالكها وسائر بحوثها؟ وإذا صح ما يقوله الدكتور موسى من أنه لم يؤثر عنهم فيها شيء ـ وهو صحيح ـ في حدود ما تقتضيه طبيعة زمنهم ، وفي حدود ما قرأناه من مأثوراتهم ، فكيف يتم لنا الإجماع منهم على حجية السبر والتقسيم وغير السبر والتقسيم من المسالك المظنونة؟
والّذي يبدو من مجموع ما تتبعت من أسانيد بعض الروايات ، المتعرضة للرأي والقياس على اختلافها في النفي والإثبات ، شيوع الضعف والوهن فيها مما يدل على ان الكثير منها كان وليد الصراع الفكري بين مثبتي القياس ونفاته من المتأخرين ، وما كانت للقدامى من أبناء صدر الإسلام وبخاصة كبار الصحابة فيها يد تذكر ، وليس في هذا ما يمنع من استعمال كلمة رأي وورودها على ألسنتهم ، ولكن في حدودها الغامضة غير المفصحة ، فالحق ـ فيما يبدو ـ هو ما ذكره الأستاذ سخاو وجولد تسهير في هذا المجال.
أدلتهم من العقل :
وقد صوروها بصور عدة تعود في أصولها إلى أربعة :
__________________
(١) تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد يوسف موسى : ص ٢٩.