فتشخيص ان هذا مثل أو ان هذه قبلة بالطرق الاجتهادية انما هو من تحقيق المناط بمعناه الأول ، وقد قلنا : انه ليس بقياس بالبرهان الّذي سبق أن ذكرناه.
٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(١) ، وقد استدل بها ابن تيميّة على القياس بتقريب «ان العدل هو التسوية ، والقياس هو التسوية بين مثلين في الحكم ، فيتناوله عموم الآية» (٢) وقد أجاب عنه الشوكاني : «بمنع كون الآية دليلا على المطلوب بوجه من الوجوه ، ولو سلمنا لكان ذلك في الأقيسة التي قام الدليل على نفي الفارق فيها لا في الأقيسة التي هي شعبة من شعب الرّأي ، ونوع من أنواع الظنون الزائفة ، وخصلة من خصال الخيالات المختلّة» (٣).
والأنسب ان يقال : ان هذه لو تمت دلالتها على الأمر بالقياس بما أنه عدل فهي إنما تدل على أصل القياس لا على مسالكه المظنونة ، والكلام إنما هو في القياس المعتمد على استنباط العلل بالطرق السالفة.
وهذه المؤاخذات كلاّ أو بعضا واردة على كل ما استدل به من الآيات من أمثال : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)(٤) ، (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ)(٥) ، فلا نطيل الكلام بعرض ما ذكروه لها من كيفيات الاستدلال والمناقشة ، وهي تتضح من جملة ما عرضناه في أجوبة الاستدلال بهذه الآيات.
أدلتهم من السنة :
أما ما استدل به من السنة ، فروايات تكاد تنتظم في طائفتين تتمثل :
أولاهما : بحديث معاذ بن جبل وما يعود إليه من الأحاديث ، ونظرا لما أعطاه
__________________
(١) سورة النحل : الآية ٩٠.
(٢) إرشاد الفحول : ص ٢٠٢.
(٣) المصدر السابق.
(٤) سورة إبراهيم : الآية ١١.
(٥) سورة النساء : الآية ٨٣.