ندرك ان موافقة الكتاب وعدم مخالفته هي المقياس الأول ، كانت هناك موافقة للعامة أو مخالفة لها ، فالحديث الموافق للكتاب أو غير المخالف يؤخذ به على كل حال ، وافق العامة أم لم يوافقها ، والحديث المخالف للكتاب يطرح سواء وافق العامة أم خالفها.
مخالفة وموافقة العامة :
والمراد بالعامة هنا أولئك الرعاع وقادتهم من الفقهاء الذين كانوا يسيرون بركاب الحكام ويبررون لهم جملة تصرفاتهم بما يضعون لهم من حديث حتى انتشر الوضع على عهدهم انتشارا فظيعا صحح لمثل يحيى بن سعيد القطان ان يقول : «لو لم أرو إلا عمن أرضى ما رويت إلا عن خمسة» (١) وليحيى بن معين قوله : «كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا خبزا نضيجا» (٢) إلى غيرها من آراء وأقوال أرباب الجرح والتعديل.
وليس المراد بالعامة في الصحيحة وأمثالها أولئك الأئمة الذين عرفوا بعد حين بأئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم ، لأن هؤلاء الأئمة ما كان بعضهم على عهد الإمام الصادق عليهالسلام كالشافعي ، وابن حنبل ، والذين كانوا على عهده ما كان لهم ذلك الشأن ، بحيث يكوّنون رأيا عاما ليصح إطلاق لفظ العامة عليهم وعلى أتباعهم.
وعامة الناس من السنة لم تجمع كلمتهم عليهم ـ بواسطة السلطة ـ إلا في عصور متأخرة جدا عن عصر الإمام الصادق عليهالسلام حيث أبطل «الظاهر بيبرس البندقداري» غيرها من المذاهب في مصر وقصرها عليها (٣) ومنه انتشرت في بقية الأمصار.
__________________
(١) الغدير : ٥ ـ ٢٩١.
(٢) المصدر السابق.
(٣) دراسات في الفلسفة الإسلامية للتفتازاني الغنيمي : ص ١٢٢.