ولإيضاح هذا الجانب ، وهو الأساس في بناء الكتاب ، فإن علينا أن نعرض المقياس في الجمع بين الأدلة أو تقديم بعضها على بعض لنعرف السر في ذلك البناء فنقول :
إن الجمع بين الأدلة أو تقديم بعضها على بعض من وجهة دلالية قد يكون لأمور ، لعل أهمها أربعة هي : التخصيص ، التخصص ، الحكومة ، الورود.
وكلمتا (الحكومة) و (الورود) ، مصطلح متأخر جرى على ألسنة بعض أعلام النجف ، منذ ما يزيد على القرن (١) وتداول على ألسنة جميع الأعلام بعد ذلك وبحثوا كل ما يميزهما عن التخصيص والتخصص ، وهما المصطلحان اللذان شاع استعمالهما على ألسنة الأصوليين قديما وحديثا.
وكان الباعث لهم على هذا المصطلح الجديد أنهم وجدوا ان طريقتي التخصيص والتخصص لم تعودا وافيتين بحاجة الفقيه إلى معرفة الجمع بين الأدلة أو تقديم بعضها على بعض ، لأن بعض الأدلة تقتضي ألسنتها التقديم وهي ليست تخصيصا ولا تخصصا ، وليس لدى القدماء ما يوجبه من الأصول التي وضعوها لذلك.
وإذا اقتصر التخصيص والتخصص على الأدلة اللفظية ، فإن الحكومة والورود يعمان حتى الأصول المنتجة للوظائف على اختلافها.
ومن الحق ان نشير إلى هذه المصطلحات بشيء من الإيضاح.
التخصيص :
فالمراد بالتخصيص إخراج من الحكم مع دخول المخرج موضوعا ، ومثاله : كل
__________________
(١) المعروف أن الشيخ الأنصاري قدس سرّه المتوفى سنة ١٢٨١ ه ، هو أول من وضع هذا الاصطلاح وتبنى مفاهيمه ، إلا أن أستاذنا الشيخ حسين الحلي رحمة الله تتبع هذا الاصطلاح ، فوجده في كتاب «الجواهر» في أكثر من موضع ، وصاحب الجواهر (الشيخ محمد حسن قدس سرّه) أقدم طبقة منه وان كانت بينهما معاصرة ، ولم يسعني تحقيق ذلك لمعرفة واضع هذا المصطلح ، والله أعلم بحاله (المؤلف).