وابن الحاجب ما ذكرنا أولا وهو الظاهر ، لأن المتيقن من صدور الفعل منه إباحته فلا يثبت الزائد على ذلك إلاّ بدليل.
وظهور قصد القربة دليل على أن الفعل مطلوب ، والمتيقن من الطلب الندب ، فلا يثبت ما زاد عنه.
أما ادعاء ان الفعل يثبت بنفسه مع جهل صفته حكما شرعيا فوق الإباحة ، فهو قول بلا دليل ، وكل ما ذكروه من أدلتهم إنما يتجه إذا علمت صفة الفعل ، وفرض المسألة انها مجهولة» (١).
إلا أن الّذي يؤخذ على الخضري عدم تقييده الإباحة بكونها بالمعنى العام مما يوهم إرادة الإباحة الاصطلاحية ، أي تساوي الطرفين ، وهي لا معين لها أيضا ، كما ان تعبيره بعد ذلك ان المتيقن من الطلب الندب ، لا يخلو من مسامحة أيضا ، لأن الندب نوع من أنواع الطلب في مقابل الوجوب وله فصله الخاصّ ، فتعيينه بالذّات يحتاج إلى معنى لأن نسبة الطلب إليهما نسبة واحدة ما دام معتبرا من قبيل الجنس لهما.
نعم لو كان هو مرتبة من الوجوب لأمكن ان يقال بالقدر المتيقن بالنسبة له ، ولكنه ليس كذلك بداهة ، بل هو نوع في مقابله له حدوده الخاصة فلا معنى لاعتباره قدرا متيقنا له.
دلالة الترك :
ولا يستفاد منها أكثر من عدم الوجوب ، أما تعيين الحرمة أو الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة فلا معين لها ، لأن القدر المتيقن من أدلة العصمة انه لا يرتكب الذنب ، فتركه للشيء إذن لا يكون تركا لواجب كما هو مقتضى ما تدل عليه
__________________
(١) أصول الفقه : ص ٢٣٣.