أما السنة فالذي يبدو منهم إرسال حجيتها إرسال المسلمات لعدم تعرضهم ـ في حدود ما اطلعت عليه ـ لمخالف فيها معلوم ، وإن لم يظهر لديهم أدلة من الشرع عليها فنسبتها إلى البراءة العقلية عندهم أولى ، ولذا آثرنا التعرض لها هناك.
أدلة المثبتين لها مطلقا :
وقد استدل المثبتون لها بأدلة كثيرة يصعب استيعابها جميعا ، وهي مستغرقة للأدلة الأربعة نذكر أوفاها بالدلالة :
أدلتهم من الكتاب :
وأظهر ما استدلوا به من الكتاب آيتان كريمتان هما :
١ ـ قوله تعالى : (لا يكلّف الله نفسا إلا ما آتاها) (١).
وقد قرب دلالتها بتقريبات لا يخلو أكثرها من مؤاخذة ، ولعل أسلمها من المؤاخذات أن يقال ان المراد من الموصول في «ما آتاها» هو الحكم ، والمراد بالإيتاء فيها هو الوصول ، فيكون مفاد الآية نفي التكليف بالحكم غير الواصل ، أي أن الله لا يكلّف نفسا إلا بالحكم الّذي يصل إليها.
وبالطبع ان معنى نفي التكليف هنا هو نفي آثاره الأخروية ، أي نفي المؤاخذة ، وإلا فإن التكليف ثابت في حقوق العالمين والجاهلين على السواء ، كما يأتي عرضه في مبحث التخطئة والتصويب.
٢ ـ قوله تعالى : (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (٢).
وتقريبها لا يتم إلا إذا جعلنا الرسول هنا كناية عن الحجة الواصلة ، وهو ما
__________________
(١) سورة الطلاق : الآية ٧.
(٢) سورة الإسراء : الآية ١٥.