تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ، إذ لا خصوصية للرسول في هذا الموضع ظاهرا فيكون مؤداها نفي استحقاق العقاب قبل قيام الحجة لدى المكلف وهو مؤدى البراءة.
وأشكل على هذه الاستفادة :
١ ـ ان الآية لم تنف أكثر من فعلية العقاب وهي أعم من الاستحقاق الّذي هو وليد شغل الذّمّة وعدمه ، وليس هناك ما يمنع من ثبوت الاستحقاق وارتفاع العقاب بالعفو أو إذهاب السيئة بالحسنة ، والّذي يفيد في الدلالة على البراءة هو نفي الاستحقاق عنه ، الكاشف عن عدم انشغال ذمة المكلف لا نفي فعلية العقاب ، لأن نفي فعليته قد يكون ـ حتى مع ثبوت التكليف واقعا ـ بالعفو وغيره.
وأجيب بأن لسان الآية يأبى مثل هذا الحمل ، أعني الحمل على نفي الفعلية ، لأن التعبير بقوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) وما يشبهه من التعبيرات الواردة في القرآن الكريم أمثال (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً)(١) و (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢) ، كلها تدل على ان هذه الأمور مما لا تليق نسبتها إليه سبحانه.
وأظن ان الجو التعبيري الّذي يرسمه هذا النوع من الأداء يقرب هذا المعنى. وإذا صح هذا المعنى فمع فرض استحقاق العبد للعذاب ، فأي مانع من نسبة صدوره إلى الله؟ ولما ذا لا تليق نسبته إليه تعالى؟
فالحق ـ كما استفيد ـ ان أمثال هذه التعبيرات واردة لنفي الاستحقاق ، وحاشا لله ان يعذب من لا يستحق.
وأشكل أيضا ان الآية واردة في مقام نفي العذاب الدنيوي كما يقتضيه سياقها ، وليست واردة في مقام نفي العذاب الأخروي ، والّذي يفيد في إثبات دلالتها على
__________________
(١) سورة التوبة : الآية ١١٥.
(٢) سورة آل عمران : الآية ١٧٩.