هذا كله في الفرق بين الحكم والوظيفة الشرعية.
أما الفرق بينه وبين الوظيفة العقلية :
فأمره أوضح لأن الوظيفة العقلية لا تستند على جعل شرعي أصلا ليلتمس الفارق بينها وبين الحكم ، وهما مختلفان بالسنخ وبالرتبة.
وهذا التعريف للحكم وتقسيماته المختلفة إنما يتم على مبنى من يؤمن بوجود جعل شرعي واعتبار يتعلق بأفعال العباد ، أما على مبنى من يدعي ان الحكم ليس هو في واقعة «إلا عبارة عن العلم باشتمال الأفعال على المصالح والمفاسد من دون أن يكون في البين جعل يقتضي الإرادة والكراهة» (١) فلا يتجه الحديث في أكثر هذه البحوث ، وقد حكي عن بعض احتمال هذا القول بل الالتزام به.
وهذا البعض لا نعرفه على التحقيق ، وهو في رأيه هذا خارج على إجماع المسلمين ـ فيما نعلم ـ فلا يستحق ان يناقش رأيه ويطال فيه الحديث ، على أن أستاذنا النائيني أطال في ردّه بعد أن أعطى رأيه فيه بقوله : «ولكن احتمال ان لا يكون في البين إلا العلم بالصلاح والفساد من دون أن يستتبع العلم بذلك الجعل والتشريع في غاية الوهن والسقوط» (٢) وربما استظهر من كلام الأستاذ خلاف نسبة نظيره إلى القائلين بالتقبيح والتحسين العقليين (٣) ، وسيأتي تحقيقه في مبحث (العقل) وبيان ان هذا الاستظهار لا مستند له لتصريحهم بوجود الحكم ، وان الحاكم هو الله تعالى لا غير.
بقيت أمور تتصل بمباحث الحكم وتلابسها ، إلا أن أكثرها مما يرجع إلى مباحث الفقه ، لذلك آثرنا عدم عرضها في هذا التمهيد لعدم اتصالها المباشر بطبيعته.
__________________
(١) فوائد الأصول : ٤ ـ ١٣٨.
(٢) المصدر السابق.
(٣) مصادر التشريع الإسلامي : ٧٦.