اتفاق واختلاف :
أما موضع الاتفاق منهما فيهما :
١ ـ الحسن بمعنى الملاءمة للطبع ، والقبح بمعنى عدمها ، فيقال مثلا : هذا المنظر حسن جميل وذلك المنظر قبيح ، أو هذا الصوت حسن وذلك قبيح ، ويريدون بذلك أنها ملائمة للطبع أو غير ملائمة.
٢ ـ الحسن بمعنى الكمال ، والقبح بمعنى عدمه ، فيقال بأن العلم حسن وأن الجهل قبيح ، يعني أن العلم فيه كمال للنفس بخلاف الجهل.
وهذا المعنيان ، هما اللذان كانا موضع الاتفاق ، فالأشاعرة والمعتزلة وغيرهما ، يؤمنون جميعا بإمكان إدراك العقل لهما.
وموضع الخلاف بعد ذلك هو في المعنى الثالث وهو :
٣ ـ الحسن بمعنى إدراك أن هذا الشيء أو ذاك مما ينبغي ان يفعل ، بحيث لو أقدم عليه الفاعل لكان موضع مدح العقلاء بما هم عقلاء ، والقبح بخلافه ، ولا ينافي ذلك أن يكون منشأ هذا الإدراك ـ أعني ـ إدراك أن هذا مما ينبغي أن يفعل أو لا يفعل هو أحد الإدراكين السابقين ، بمعنى أن العقل بعد أن يدرك ملائمة الشيء للنفس أو مجافاته لها أو يدرك كمال الشيء أو نقصه ، يدرك مع ذلك انه مما ينبغي أن يفعل أو لا يفعل.
والإدراك بالمعنى الثالث ، هو الّذي يسمّى على ألسنة الفلاسفة ب «العقل العملي» ويقابله ما يسمى ب «العقل النظريّ» كإدراك العقل أن الكل أعظم من الجزء ، وان النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان ، وهما من حيث انتمائهما للعقل متحدان ، إلا أنهما يختلفان بلحاظ متعلق إدراكهما ، فإن كان مما ينبغي أن يعلم سمي بالعقل النظريّ ، وإن كان مما ينبغي أن يعمل سمي بالعقل العملي (١).
__________________
(١) أصول الفقه للمظفر : ٢ ـ ١٨.